قرارات فردية أم عمل مؤسسي؟
في العمل الحكومي المؤسسي يفترض أن تُتخذ القرارات الوزارية بما لا يتناقض مع السياسة العامة التي ترسمها الحكومة لا الوزير بمفرده، وهو الأمر الذي يعني أن القرارات الوزارية لا تأتي إلا بعد دراسة وافية ومعمقة، بحيث تأخذ في عين الاعتبار النتائج والآثار المترتبة عليها، وأبعاد القرار الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
هناك فرق شاسع بين القرار الفردي الذي يتخذه شخص واحد في ثوان، والقرار المؤسسي الذي يُتخذ بناء على دراسات علمية مستندة إلى تحاليل إحصائية، ومعلومات وبيانات دقيقة وحديثة. وفي العمل الحكومي المؤسسي يفترض أن تُتخذ القرارات الوزارية بما لا يتناقض مع السياسة العامة التي ترسمها الحكومة لا الوزير بمفرده، وهو الأمر الذي يعني أن القرارات الوزارية لا تأتي إلا بعد دراسة وافية ومعمقة، بحيث تأخذ في عين الاعتبار النتائج والآثار المترتبة عليها، وأبعاد القرار الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ومدى انسجامها مع السياسات العامة الأخرى، أي أن القرار الوزاري ليس اجتهاداً فردياً بحسب رأي الوزير، بحيث ينتهي بمجرد مغادرته للمنصب الوزاري مثلما نلاحظ في كثير من القرارات الوزارية التي تُلغى مع كل تشكيل وزاري جديد، وحيث إن التغيير الوزاري لدينا يحدث بمعدل مرة كل عامين تقريباً وربما أقل، فإن ذلك ساهم في تدني ثقة الناس بالقرارات الوزارية المتغيرة باستمرار بحسب شخص الوزير، وبالتالي، بأعمال الحكومة بشكل عام.وقد صدر مؤخراً قراران وزاريان أثارا جدلاً واسعاً في وسائل الإعلام وبين الناس عامة، ومن غير الواضح إن كانا قرارين فرديين، أم تم اتخاذهما بناء على دراسات علمية وافية.
القرار الأول هو زيادة رسوم الخدمات الصحية الحكومية على الوافدين الذي صدر فجأة من دون تقديم أي بدائل إنسانية مناسبة للعمالة الوافدة، بالذات من ذوي الرواتب المتدنية الذين يعمل معظمهم داخل المنازل، أو في الأعمال الإنشائية، أو نراهم يتجولون في أروقة الأجهزة الحكومية وعند إشارات المرور، حيث لن يكون في استطاعة هؤلاء العمال الفقراء، بعد القرار، دفع رسوم العلاج الضروري، فيضطرون إلى اللجوء لوسائل بدائية ومتخلفة في العلاج، مما يعني احتمال نشوء سوق سوداء تكون على شكل "عيادات" غير مرخصة، أو "صيدليات" تبيع أدوية ومسلتزمات طبية من دون وصفة طبية، فضلاً عن احتمال انتشار الأمراض المعدية بينهم وتأثيرها على بقية السكان، وارتفاع حالات الوفاة، مع العلم أن نسبة الوافدين لإجمالي عدد السكان هي 70% تقريبا. ومع الأخذ في الاعتبار، كما أشارت صحيفة "القبس" في 15 مارس الماضي، أن "تكلفة صحة الوافدين سنوياً هي (595) مليون دينار تتحملها الحكومة كاملة رغم استخدامها 6.8% منهم"، فإنه من المفترض أن يسبق القرار الحكومي، إلزام أصحاب العمل في القطاع الخاص بعمل تأمين صحي للعاملين لديهم، بدلاً من استقدامهم من الخارج وتركهم من دون علاج صحي إلا ما توفره الحكومة لهم، وهو ما يتناقض مع قانون العمل والمواثيق الدولية الخاصة بالعلاج الصحي! القرار الوزاري الثاني المثير للجدل هو القرار المفاجئ بتعميم "بصمة" الحضور والانصراف من الدوام على جميع العاملين في الأجهزة الحكومية، وهو اعتراف حكومي صريح بالتسيب الإداري في أجهزة الحكومة، ولكن هناك مجموعة من الأسئلة يفترض الإجابة عنها قبل اتخاذ القرار وهي: هل سينتهي التسيب الإداري بمجرد الالتزام بقرار "البصمة" الذي ستتحمل تكاليفه ميزانية الدولة علاوة على ما تعانيه من عجز فعلي؟ أم أن حلّ مشكلة التسيب الإداري تحتاج إلى معرفة الأسباب الرئيسة أولاً، ثم معالجتها من دون التوقف فقط عند النتيجة، وهي عدم الالتزام بأوقات الدوام الرسمي؟ ثم ما النتائج المتوقعة على المديين المتوسط والطويل ومدى تأثيرها على كفاءة العاملين في القطاع الحكومي وإنتاجيتهم بشكل عام؟ وهل اتُّخذ القرار بشكل فردي، أم أنه أتى بعد دراسة علمية، وعمل مؤسسي؟ وإن كان بناء على دراسة فلماذا لا تُنشر؟