من كان يتخيل أن إمبراطوريات سادت العالم في حقب مضت من الزمن تصل إلى مرحلة التفكك الداخلي؟ طرحت ذلك التساؤل عندما كنت أقوم بدراسة عن استفتاء استقلال أسكتلندا عن بريطانيا العظمى قبل 3 سنوات؟ كنت قد حضرت الاستفتاء حينها في غلاسغو وأدنبرة، وكان لافتاً حضور عديد من الأقليات الطامحة إلى الاستقلال لمراقبة ما يجري، وربما الاستفادة من التجربة. كان هناك أشخاص من كردستان وكتالونيا، والعديد من الأقليات الأوروبية كالباسك وأيرلندا الشمالية ورابطة شمال إيطاليا، وغيرها ممن يرون أن حقهم في الاستقلال آن أوانه.

لابد أن يطرح تزامن استفتاء الاستقلال في كل من كتالونيا وكردستان العراق تساؤلاً مشروعاً حول التوجه نحو الاستقلال السلمي.

Ad

في سنة 1948 كان عدد الدول أعضاء الأمم المتحدة 58 دولة، أما اليوم فإن عدد أعضائها يزيد على 192 . لم يكن مفهوم الدولة التي نعرفها اليوم حدوداً وشعباً وحكومة وسيادة متعارفاً عليها قبل معاهدة ويستفاليا عام 1648 . واستغرقت زمناً طويلاً حتى صار مفهوم الدولة القومية هو السائد، وهو الذي يتقاتل الناس من أجله.

وبعد أن خرجت للوجود أكثر من 27 دولة، وصارت أعضاء في الأمم المتحدة منذ التسعينيات، لم تعد مسألة الاستقلال السلمي أمراً غريباً. بطبيعة الحال، حكاية كل دولة مختلفة، ومسارها للاستقلال متباين، وربما كان أكثرها تشابهاً هو الخروج الجماعي من تحت عباءة الاتحاد السوفياتي لـ١٥ دولة جديدة - قديمة دفعة واحدة في السنتين الأوليين من عقد التسعينيات.

التعامل الرافض محلياً وإقليمياً مع محاولات كردستان العراق وكتالونيا إسبانيا للاستقلال يطرح نهجاً جديداً مع اختلاف الإقليمين واختلاف دول الجوار.

خلال متابعتي لدعوات الاستقلال في العديد من دول العالم، وتحديداً أوروبا، حيث تقع فيها أكثر تلك المطالبات المحمية بدرجة ما بضمانات دستورية، كالحق في تقرير المصير، لم يرد في إطار النقاش كلمة خيانة، أو مؤامرة على الوطن، بل كان النقاش في الإطار الدستوري والنواحي الإجرائية السياسية.

في وطننا العربي، وربما في أقاليم أخرى كالبلقان، تسود نظرية المؤامرة على التفكير، وتصبح هي لا التفكير نقطة الانطلاق لفهم الأمور، فإن كانت الحال كذلك وهي كذلك، فمن يا ترى يتآمر على أوروبا، وربما أميركا في الطريق بمطالبات "كاليفورنية" و"تكساسية" بالاستقلال؟! أما الاتحاد السوفياتي فقد حصل على جرعته الأولى من الانفصال، والتي لما تنته بعد.

من المفيد الإشارة إلى أن الاتحاد السويسري ينتهج نظاماً فريداً من نوعه يسمى نظام الكانتونات، يكون فيها لكل كانتون استقلالية شبه كاملة وليس كالنظام الفدرالي، بل من حق أي كانتون الاستقلال دون تفاوض مع السلطة الاتحادية، ومع ذلك لم تحدث انفصالات ذات جدية تذكر عبر التاريخ المعقد لنشأة الدولة السويسرية وتناقضاتها العرقية والمناطقية واللغوية والدينية وغيرها.

فهل تكون الإجراءات العنيفة المضادة لمحاولات استقلال كردستان العراق وكتالونيا إسبانيا بداية إيقاف المسار الانفصالي عالمياً، أم سنصحو بعد فترة على الأمم المتحدة وقد وصل عدد أعضائها إلى 200 دولة، وربما أهمها بالنسبة إلينا دولة فلسطين المستقلة؟ سؤال يحتاج إلى التأمل.