يحتفي كثيرون على مواقع التواصل الاجتماعي بأعمال درامية مصرية قديمة كأنها تُعرض لأول مرة، فضلاً عن أن هذه المنصات تفيض باقتباسات من المسلسلات من صور وحوارات واستشهادات.

نحن إزاء حالة شغف لدى الجمهور، خصوصاً الشباب، تجاه هذه الأعمال، فهل يتعلق الأمر بجودة النص والحكاية، أم بكوكبة النجوم التي تضمّها تلك المسلسلات والتي يصعب تكرارها في عمل فني واحد الآن، أم أنها مجرد حالة حنين إلى الماضي حينما عرضت تلك المسلسلات لأول مرة؟

Ad

يرجع المخرج محمد فاضل حرص الجمهور على متابعة تلك المسلسلات رغم تكرار عرضها إلى جمال القصة والحبكة الدرامية، فضلاً عن تناولها قضايا اجتماعية مهمة بشكل متقن، كذلك رقي مستوى الحوار، وجودة أداء النجوم على عكس المسلسلات الراهنة التي يدور معظمها في إطار الحركة أو الكوميديا هابطة المستوى.

ويتابع فاضل: «مسلسلات اليوم مليئة بالحركة المبالغ بها، إذ ليس من المنطقي أن الناس كلهم يحملون دائماً مسدسات وأسلحة بيضاء، ما يقلل من المصداقية».

ويؤكد المخرج الكبير أن أهم عوامل جذب المشاهدين إلى المسلسلات القديمة، أنها تتناول علاقات الأسرة المصرية، والحب والزواج بشكل مبسط، وكلها أمور يفتقدها الجمهور الآن في ما يراه من أعمال درامية يدور معظمها حول علاقات معقدة.

وينفي المخرج أن يكون الحنين هو السبب وراء متابعة الجمهور هذه الأعمال راهناً، مدللاً على قوله بأن جزءاً كبيراً من متابعي المسلسلات من الشباب، وجميعهم لم يعاصروا العرض الأول لتلك الأعمال.

من جانبه، يرى المؤلف هشام هلال أن الدراما القديمة والحديثة تتشابهان في القصة والحكاية، ونجاحهما يتعلق بمدى ملاءمتهما العصر الذي عرضتا فيه، فضلاً عن التشابه بين حجم نجومية الممثلين سواء قديماً أو الآن.

ويواصل: «كذلك لدينا نجوم يملكون موهبة لافتة ويؤدون باحتراف»، ورغم إضافة عناصر جديدة إلى الدراما الحديثة أكثر تطوراً كالمونتاج والإضاءة والموسيقى التصويرية، فإن الجمهور ما زال يعشق الأعمال القديمة، حسبما يرى هلال، مرجعاً ذلك إلى «الواقع الشرس»، على حد تعبيره. ويوضح أن الجمهور يعيش واقعاً يفيض بقضايا ملتبسة نتجت عنها حالة من الهيستيريا والاضطراب النفسي، ما دفع كثيرين إلى العودة إلى القديم.

ولا يقلل هلال من حالة الحنين إلى الماضي كسبب مهم لإقبال الجمهور على تلك الأعمال، والتي حتماً تعود به إلى ذكريات جميلة ارتبطت مع عرض المسلسلات لأول مرة.

أما عن متابعة جمهور الشباب المسلسلات القديمة، فيرجع هلال السبب إلى الحرفية سواء من الصانعين أو الممثلين، مستشهداً بمسلسل «حديث الصباح والمساء» الذي ضمّ كوكبة من الممثلين يصعب جمعهم في عمل آخر، فضلاً عن الحبكة الدرامية التي قدّمها السيناريست محسن زايد، رغم أن الأديب نجيب محفوظ كتب الرواية على هيئة شخصيات منفصلة.

رأي النقد

ترى الناقدة ماجدة خيرالله أن غالبية المسلسلات المطروحة اليوم تدور حول الفساد، ولما كان الجمهور يعيش الضغوطات يومياً فإنه يطمح إلى الابتعاد قليلاً عن الواقع من خلال متابعة مسلسلات قديمة عن زمن آخر، مؤكدة أن «القديم الجيد» فرض نفسه، وعاش بعد عشرات السنين، واستطاع جذب المشاهدين، رغم التطور والتكنولوجيا.

من جهته، يؤكد الناقد الفني وليد سيف أهمية العناصر الفنية، ولا ينفي أهمية الفكرة والنوستالجيا في متابعة المسلسلات القديمة، موضحاً أنه رغم غنى تراث التلفزيون المصري من الستينيات، وضمه مسلسلات عدة نجح بعضها في وقت عرضه، فإن الأعمال التي ما زالت تجذب الجمهور هي التي تتميز بعناصر محكمة على مستوى التمثيل المقنع والإيقاع المنضبط والمواقف المشبعة بالأحاسيس، بغض النظر عن الصورة والتقنيات.

ويصف سيف المسلسل الجيد بـ «السجاد الفارسي»، كلما مرّ عليه الزمن ازداد جماله وجاذبيته، وانكشفت فيه جوانب إبداعية، وتفاصيل جديدة تزداد رسوخاً مع الزمن، ويستطرد: «ثمة أعمال كان الجمهور يقبل عليها، ويتلمس فيها جوانبها المضيئة، ولكن مع الزمن يثبت العكس مثل «المال والبنون»، الذي أصبح مثالاً للسخرية من الأجيال الجديدة بسبب أداء ممثليه المفتعل».

ويعتبر سيف أن إعجاب الجمهور الشاب بمسلسلات مثل «الشهد والدموع» و«أم كلثوم» و«أبو العلا البشري» يتزايد لجودتها على المستويات كافة، ويؤكد أن المشاهد وحده هو من يخلد هذه الأعمال التي تستطيع أن تؤثر في عقله وروحه ووجدانه مهما توالت الأجيال.