ربما تعتبر ترقية بورصة الكويت، الأسبوع الماضي، لمؤشر "فوتسي" للأسواق الناشئة هي أفضل نجاح اقتصادي للكويت، منذ سنوات طويلة تعرضت خلالها البلاد لمتواليات من الفشل والانحراف عن الأهداف، على صعيد الخطط التنموية والاقتصادية.

فالترقية في مؤشر فوتسي لا تبعث التفاؤل في الاقتصاد الكويتي فقط بكونها حالة بورصوية إيجابية للمتداولين، ولكن تتعدى ذلك لتقدم مجموعة من الاعتبارات، أولها أن الجهات الحكومية، بالتعاون مع القطاع الخاص كشركتي البورصة والمقاصة، بإمكانها إن عزمت على تحقيق نموذج نجاح فني أن تحققه، ما توافرت لها الخطة وآلية العمل والجدول الزمني. أما ثاني الاعتبارات فيتمثل بالشباب الكويتيين في هيئة أسواق المال وشركة البورصة وشركة المقاصة، الذين أنجزوا المهمة، ليجددوا الثقة بقدراتهم على خلق نموذج انجاز فعلي، إذ ان اكثر من 95 في المئة من فرق العمل في الجهات المنوطة بالترقية كانت من الشباب الكويتيين.

Ad

جودة القانون

أما الاعتبار الثالث والأهم فهو جودة القانون رقم 7 لسنة 2010، الخاص بإنشاء هيئة اسواق المال، والذي وفر البيئة السليمة والاستقلالية ونظم آليات الرقابة والتداول والجزاءات وحماية حقوق صغار المستثمرين في السوق، والذي حاول عدد من النواب السابقين والمضاربين والمتلاعبين تغييره بما يعيد الفوضى للتعاملات وممارسات الشركات غير المهنية وغير القانونية، لتأتي الترقية لتؤكد جودة القانون بما يوفره من بيئة وآلية لتحقيق انجاز على مستوى "مؤشر فوتسي".

حصافة التعامل

ومع التفاؤل المستحق بالترقية لمؤشر الأسواق الناشئة فإنه من الحصافة التعامل معه على أنه بداية النجاح لا اقصى مداه، فالسوق الكويتي رغم ترقيته لا يزال يفتقر الى العديد من القواعد والضوابط والاحتياجات التي تواكب دخول مستثمرين وصناديق عالمية سيضعان بورصة الكويت تحت مجهر الرقابة والتقييم والدراسة بشكل دائم ودقيق ومهني، وهنا يجب الاسراع في تقديم ادوات ومنتجات استثمارية، كإعادة العمل بتعاملات الأجل والبيوع المستقبلية، بعد تجاوز الملاحظات السابقة وإطلاق منتجات مثل البيع على المكشوف والمشتقات المالية وصانع السوق وإنشاء سوق للصكوك والسندات والتداول خارج المنصة، فضلاً عن تقسيم السوق إلى أسواق تراتبية حسب الحجم والسيولة، فضلاً عن معالجة بعض الاختلالات المزمنة، كعدم مصداقية المؤشر السعري في تعبيره عن اداء السوق وارتباطه بتلاعبات الاقفالات و"السهم الواحد"، وهذا تلاعب يجب ألا يحدث في أي سوق ناشئ أو حتى مبتدئ, الى جانب ضرورة فرض قواعد أكبر من الشفافية والحوكمة على تقارير الشركات وتوصياتها بالنسبة لتعاملات الاسهم، فضلا عن تطوير الإفصاحات المؤثرة على المراكز المالية للشركات المدرجة وتحفيزها على التواصل مع المساهمين بشكل أفضل.

تحدي السيولة

يظل ملف السيولة واحداً من أكبر تحديات منظومة السوق (الهيئة- البورصة- المقاصة) في الفترة المقبلة، فهذا الملف تحديدا جعل "مورغان ستانلي" عام 2013 تخفض تصنيفها لبورصة المغرب (الدار البيضاء) من قائمة الأسواق الناشئة إلى الأسواق الصاعدة، بسبب شح السيولة المتداولة في السوق، لأن الصناديق العالمية الكبرى تحتاج إلى أسواق عميقة وسائلة، الأمر الذي يجعل تسويق البورصة وشركاتها واحدا من اولى اولويات منظومة السوق، خصوصا إذا علمنا ان هناك تضخما في ودائع القطاع الخاص لدى البنوك المحلية بلغ في نهاية يوليو الماضي 34.2 مليار دينار، منها 32 ملياراً بالدينار الكويتي إلى جانب 2.2 مليار دينار بالعملات الأجنبية، مقابل نحو 16 مليار دينار قيمة ودائع القطاع الخاص قبل الأزمة المالية عام 2008.

هذه الودائع (الضخمة والخائفة) يفترض ان تكون ترقية "فوتسي" محفزا لشريحة جيدة منها، خصوصا ان عائدات الودائع في الكويت محدودة، خصوصا مع التوقعات الايجابية لسوق الاسهم، وبالتالي فإن تسويق البورصة أمر غاية في الاهمية، ويستوجب ادراج كيانات تشغيلية وكبيرة نفطية او انشائية من داخل الكويت وخارجها، الى جانب التعامل مع السوق وفقا للاداء المؤسسي لا الفردي، الذي طالما اتسمت به بورصة الكويت.

التداول المؤسسي

والتداول المؤسسي مسؤولية مشتركة من ناحية جهات الرقابة والاشراف مع الشركات المدرجة، خصوصا الاستثمارية منها، والتي قدم البعض منها خلال الازمة المالية العالمية نماذج مخجلة في التعامل مع العملاء والمساهمين، الا ان عليها اليوم أن تتعاطى مع الترقية بقدر من الاحترافية، عبر طرح صناديق ومنتجات تستوعب السيولة المفترض استقطابها في البورصة وتوجهها عبر تعاملات تطور فيها مفاهيم الاستثمار والمضاربة، وفق سياسات محترفة تضمن مصالح العملاء ومهنية الأداء وشفافية السوق.

المحفظة الوطنية

ولعل الحديث عن التداول المؤسسي يجر إلى حديث آخر عن المحفظة الوطنية وضروة معالجة أداء اكبر مديريها الذين يعترفون بأنهم لو ابتعدوا عن البورصة لظهرت انعكاسات سلبية كبيرة على للتداولات، لأنهم أكبر لاعب في السوق والمحركون والمؤثرون فيه بشكل رئيسي، وهذا الاعتراف يخالف أغراض تأسيس المحفظة الوطنية بشكل جوهري، لأنها تستهدف بحسب قرار إنشائها اقتناص الفرص الاستثمارية في البورصة، لا دعم التداولات او الاسهم، ففكرة أن تقوم شركة مملوكة بنحو ثلاثة أرباع رأسمالها للدولة وتدير أموالها، بدعم السوق بشكل غير مؤسسي، تجعل من تنافسية السوق وكفاءته في ادنى مستوياتها، وهو امر لا يتفق مع الوضع الجديد بعد ترقية فوتسي.

طموح الترقيات

ينقسم مؤشر فوتسي الى 4 مستويات, الأول هو الأسواق المتقدمة، والثاني هو الأسواق الناشئة المتقدمة، والثالث هو الأسواق الناشئة الثانوية- الذي انضمت له الكويت- والرابع هو الأسواق المبتدئة، ولعل الترقية هنا يجب ان تزيد من طموح الترقي الى مستوى اعلى، بعد زيادة كفاءة السوق وعمقه وشفافيته وسيولته ونوعية شركاته ومنتجاته، الى جانب العمل على تنويع الإدراج والترقي في مؤشرات اخرى، مثل "اس اند ي - داو جونز" أو مورغان ستانلي"، فكل ادراج او ترقية هو شهادة على كفاءة السوق.