من الطبيعي لجوء جهات العمل المختلفة لاتخاذ وسيلة لإثبات التزام موظفيها بساعات الدوام، ثمة علاقة طردية بين شدة وسيلة إثبات الدوام والثقة القائمة بين أطراف العمل، فكلما كانت وسيلة الإثبات سهلة وميسرة دلّ ذلك على الثقة المتبادلة بين الطرفين: المؤسسة من جهة، وموظفوها من جهة أخرى، وكلما تشددت جهة العمل في وسائل إثبات الحضور والانصراف دلّ هذا غالباً على انعدام ثقة المؤسسة بأفرادها باختلاف مراتبهم.البصمة كوسيلة إثبات حضور في حد ذاتها ليست سيئة في القطاع الحكومي، والإشكالية القائمة حالياً في المجتمع الوظيفي بعد التعميم الشامل لتطبيق البصمة مردها إلى ثلاثة أسباب:
الأول، فقدان نظام البصمة المرونة الكافية في التعامل مع الظروف الإنسانية والاجتماعية المختلفة للموظفين. الثاني، فشل مؤسسات الدولة في حل مشكلة الاختناقات المرورية اليومية. الثالث، تعارض بداية دوامات المدارس ونهايتها مع الحكومة.لا تنتظر الوزارات والموظفون قرارات إبداعية من ديوان الخدمة المدنية للتسهيل على الموظفين بما يحفظ حق العمل ويراعي ظروف الناس، فهذه مؤسسة كهلة وجامدة معتادة على البيروقراطية في مسيرتها إلا قليلا، والفرصة بيد الوزارات التي فيها قياديون لديهم الجرأة على تقديم مقترحات غير تقليدية بشأن العمل، والتزامات الموظفين لتغيير مواقع الخلل في هذه اللوائح. هل كنا نحتاج إلى نظام البصمة لو أن كل موظف قام بأمانته وحلل راتبه وخدم وطنه بإخلاص؟ وهل كنا نحتاج إلى نظام البصمة لو أن قيمة الموظف تقاس بإنجازه الفعلي لا بوجوده الوهمي على المكتب؟ وهل كنا نحتاج إلى البصمة لولا وجود مسؤولين فاسدين تستروا على غيابات بعض ربعهم وأقاربهم أسابيع وشهوراً وسنوات؟ وهل كنا نحتاج إلى البصمة لو أن خطط التوظيف والتعيين كانت حسب احتياجات حقيقية للمؤسسات ومواقع العمل؟ ليست المشكلة في نظام البصمة، إنما في ذمم بعض الموظفين، وكفاءة بعض المسؤولين، وفشل الخطط الحكومية التي اتخذت من البصمة دواء تجميليا وحلاً ترقيعياً لما أفسدته قراراتها. والله الموفق.
مقالات
المشكلة ليست في بصمة الدوام
05-10-2017