الكويت بين إيران وتركيا (1- 4)
درس د. عبدالرضا أسيري في كتابه الجديد "سياسة الكويت الخارجية"، ما بين 1991-2016، العلاقات الكويتية الإيرانية، والكويتية التركية، باعتبار الدولتين من أهم الكيانات والقوى السياسية والإقليمية في المنطقة، وتعود علاقة الكويت بالبلدين إلى عهود وعقود سابقة طويلة، وسنحاول عرض بعض ما ورد في التحليل مع الإشارة إلى جوانب أخرى!يلاحظ د. أسيري على السياسة الكويتية تجاه إيران أنها عامل استقرار وتهدئة في المنطقة الخليجية، وأن هذه السياسة لا تفقد هدوءها ولا تتأثر بعلاقات إيران المتوترة خليجياً ودولياً، ويضيف "لذا يمكن القول إن العلاقات الكويتية- الإيرانية شكلت إحدى الركائز المهمة في علاقات إيران والخليج"، ويقول في نظرة تاريخية لهذه العلاقات، إن إيران اعترفت رسمياً بدولة الكويت في عام 1961، ووقفت مع الكويت في أزمتها مع قاسم، وفي يناير 1962 تم افتتاح السفارة الإيرانية بالكويت، وفي هذا المجال، يضيف الباحث، يمكن القول إن الكويت قدمت نموذج الدولة الصغيرة المتمسكة بثوابت سياستها الخارجية في علاقتها بإيران "بمعزل عن حجم وقوة القوى الإقليمية التي تتفاعل معها".ومما رسخ العلاقات بين البلدين إعلان إيران "مساندتها لموقف الكويت من الاعتداء العراقي في أزمة الصامتة عام 1973، كما أبدت استعدادها لإرسال قوات عسكرية إذا ما رغبت الكويت في ذلك، وقد صرح رئيس الوزراء الإيراني في ذلك الوقت بأن بلاده لن تسمح بإحداث تغيير في الجغرافيا السياسية في المنطقة".
من جانب آخر "كانت الكويت من أولى الدول التي اعترفت بالنظام الجديد في إيران عقب قيام الثورة الإسلامية في عام 1979، كما قام نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية في ذلك الوقت الشيخ صباح الأحمد بزيارة لإيران ليكون أول مسؤول عربي وخليجي رفيع المستوى يقوم بمثل هذه الزيارة، فالدبلوماسية الكويتية احترمت خيار الشعب الإيراني ورحبت به".والحقيقة أن سياسة إيران بعد الثورة كانت مختلفة عنها في ظل النظام السابق، وإن كانت عنجهية الشاه وغروره من مشاكل تلك السياسة، التي بدت "إيران الإسلامية" وكأنها تخلصت منها، إذ بادرت مثلا إلى تغيير السياسة الإيرانية إزاء القضية الفلسطينية، ولكنها سرعان ما اتبعت جملة سياسات راديكالية وطائفية عزلتها عن محيطها الجغرافي، وعرقلت النمو الطبيعي لروابطها الخليجية والعربية العريقة ومكانتها الدولية، وتسببت بعض هذه السياسات السلبية في انكماش مشاعر التأييد والتعاطف العارمة في الأوساط الشعبية الخليجية والعربية، بما في ذلك الأوساط السنية، واستمرت العزلة الإيرانية منذ ذلك الوقت وربما استفحلت. وقد توترت العلاقات بين الكويت وإيران خلال الحرب العراقية- الإيرانية، حيث عارضت الكويت تلك الحرب مطالبة بضرورة وقفها وحقن الدماء، وبخاصة في مراحلها الأخيرة.وفي هذا السياق، يقول د. أسيري، "تمسكت الدبلوماسية الكويتية بمبدأ الحياد بين الأطراف المتصارعة وعدم الانحياز لأي طرف، إلا أنه في ضوء ما تعرضت له الكويت من مضايقات من الجانب الإيراني مست أمنها، بالتزامن مع ضغوط عراقية مستمرة اضطرت الدبلوماسية الكويتية للوقوف إلى جانب العراق في تلك الحرب". (ص 250)ولقد عرضت الكويت والدول الخليجية على إيران في السر والعلن، كما تقول بعض التحليلات، الحلول والتعويضات وسبل فك الاشتباك وغير ذلك، ولكن تلك الحرب كانت "نعمة من السماء على الثورة الإيرانية" في نظر التيار المتشدد داخل السلطة، والذي اغتنم تلك الحرب لإحكام سيطرته على مختلف المؤسسات، والتخلص من كل القيادات المدنية والعسكرية الموروثة من زمن النظام السابق، وبناء الجيش وفق أسس عقائدية إلى جانب تأسيس ميليشيات أخرى تدعم الوضع. ولذلك لم تصغِ إيران للأسف لمختلف نداءات المصالحة والتعويض والتفاهم، واستمرت في القتال حتى أنهكها في النهاية حجم الخسائر البشرية والعسكرية، فوافقت على وقف القتال في مرحلة لم تكن عسكريا لمصلحتها، بعد خسائر فادحة. لم يكن اصطفاف أغلب الدول الخليجية والعربية إلى الجانب العراقي لأسباب طائفية بقدر ما كان في الأساس وليد سياسات إيرانية وحملات إعلامية غير مدروسة، ولم تقف "الدبلوماسية الكويتية" وحدها مع العراق، بل اضطرت الكويت إلى تقديم مساعدات مالية سخية وتسهيلات استراتيجية، سرعان ما تنكر لها القائد الدكتاتور، وزحف على الكويت في أغسطس 1990.يقول د. أسيري حول رد فعل إيران على ذلك العدوان ومعارضتها الشديدة له: "مع الغزو العراقي للكويت، أعلنت إيران رفضها للتحرك العراقي حتى إن الرئيس الإيراني رفسنجاني صرح أنه إذا قبل العرب ضم الكويت للعراق، فإن إيران لن تقبل ذلك، وفي نوفمبر 1990 طالب الرئيس الإيراني مجددا بانسحاب العراق غير المشروط من الأراضي الكويتية، مع معارضة بلاده تسليم أي جزر كويتية إلى العراق، وفي الوقت نفسه أكد وزير الخارجية الإيراني التزام بلاده بالعقوبات الاقتصادية المفروضة على العراق من قبل الأمم المتحدة".تحسنت العلاقات الكويتية- الإيرانية بشكل كبير عقب تولي الرئيس محمد خاتمي رئاسة إيران، حيث زارها وزير الخارجية الإيراني في نوفمبر 1997، وتعاون البلدان في تطور علاقاتهما الاقتصادية، فتم توقيع العديد من الاتفاقيات التجارية ونمت حركة سياحية قوية بين البلدين وبخاصة "السياحة الدينية"، لوجود عدد من المزارات الشيعية في إيران. وكان حجم التبادل التجاري بين البلدين عام 2001 أقل من 150 مليون دولار، فبلغ عام 2015 أكثر من 300 مليون دولار، وهو مبلغ بسيط مقارنة بإمكانات إيران، ويعكس أكثر ما يعكس عزلة إيران وتخلفها في مجال التصدير والتبادل التجاري، مقارنة مثلا بدولة إسلامية أخرى بحجم إيران نفسها مثل تركيا، التي يبلغ ميزانها التجاري مع الكويت عام 2015 نحو 840 مليون دولار، وقد بلغت واردات الكويت من إيران في العام نفسه 242 مليون دولار ومن تركيا نحو 602 مليون دولار، "مع ملاحظة أنه في ظل العقوبات الاقتصادية التي تعرضت لها إيران بموجب برنامجها النووي كانت هناك قيود أمام الاستثمار وتطوير العلاقات الاقتصادية". (ص251).