أظهرت النتائج أن نسبة عالية من العراقيين الذين يبلغ عددهم 8 ملايين كردي صوتوا في استفتاء حول استقلال إقليم كردستان ومناطق أخرى من البلاد يوجد فيها عدد كبير من الأكراد، وصوتت نسبة أعلى من الناخبين بـ(نعم)، وأفادت التقارير أنهم أكثر من 90%، ومع ذلك فإن الكثير من الدول غير متعاطفة، إذ تعتمد أي دولة في العالم اليوم على اعتراف الدول الأخرى، فماذا سيحدث الآن؟

مما لا شك فيه أنه لا ينبغي أن يكون هناك أي حق تلقائي في تقرير المصير، فقد كان هذا الأخير الحل الوحيد بالنسبة إلى الشعوب في المستعمرات التي كانت تحكمها دول على بعد آلاف الأميال، والتي حُرمت من العديد من حقوقها بما في ذلك اختيار الاستقلال في أعقاب الحرب العالمية الثانية. إنه شيء مختلف تماما أن تنفصل منطقة ما عن بلد مستقل قائم، وإن الانفصال المتكرر سيكون مصدر فوضى عارمة أكثر مما نعيشه اليوم.

Ad

ومن ثم يُطرح سؤال طبيعي: في أي ظروف ينبغي دعم القادة والسكان الذين يسعون إلى الانفصال عن البلاد الأم وإنشاء وطن مستقل؟ لا توجد معايير مقبولة عالميا، ولكن اسمحوا لي أن أقترح بعض ما ينبغي تطبيقه:

• تاريخ يشير إلى هوية جماعية واضحة للشعب المعني بالأمر.

• أسباب مقبولة، بمعنى أن السكان يجب أن يكونوا قادرين على إثبات أن الوضع الراهن يفرض معاناة سياسية ومادية واقتصادية كبيرة.

• یوضح السكان أنهم یفضلون بقوة وضعا سیاسيا جدیدا ومستقلا.

• الدولة الجديدة قابلة للحياة (آخر شيء يحتاجه العالم هو مزيد من الدول الفاشلة).

• لا یؤدي الانفصال إلی تعریض سلامة الدولة الراهنة أو أمن الدول المجاورة للخطر.

ووفقا لهذه المعايير هناك أسباب مقنعة لاستقلال الأكراد، فهم لديهم إحساس قوي بالتاريخ الجماعي والهوية الوطنية، وقد فشلوا في تكوين دولة بعد الحرب العالمية الأولى دون أي خطأ من جانبهم، على الرغم من أن القضية كانت مقنعة كما هي الحال بالنسبة إلى الجماعات الأخرى التي كانت آمالها الوطنية مستوفاة. لقد عانى الأكراد العراقيون (بما في ذلك تعرضهم للهجوم بالأسلحة الكيميائية) على يد نظام صدام حسين، وتستطيع كردستان المستقلة أن تكون مجدية اقتصاديا، نظرا لاحتياطيات الطاقة، وبإمكان العراق من دون كردستان أن يكون قابلا للنمو، شأنه شأن البلدان المجاورة الأخرى.

ومع ذلك فإن رغبة الأكراد في شمال العراق في إنشاء بلد خاص بهم لم تلق ترحيبا، كما عبرت الحكومة المركزية العراقية عن قلقها بشأن فقدان الأراضي والاحتياطات النفطية الكبيرة، بفعل الانفصال الكردي، وتعارض كل من تركيا وإيران وسورية استقلال الأكراد في أي مكان خوفا من أن تصاب "أقلياتها الكردية" "بفيروس" الدولة الكردية والسعي إلى الانفصال وخلق دولة خاصة بها أو الانضمام إلى الكيان الكردي الجديد المنقول من العراق.

وقد هددت الحكومة المركزية العراقية بإغلاق مجالها الجوي أمام الرحلات التي تحلق من المنطقة الكردية وإليها، وهددت تركيا بقطع خط الأنابيب الذي يعتمد عليه كردستان لتصدير النفط، ويكمن الخطر في هذه التحركات في إمكانية تعريض صلاحية الكيان الجديد (الذي قد يكون غير ساحلي) للخطر، ناهيك عن خطر وقوع اشتباكات عسكرية.

وتعارض الولايات المتحدة استقلال كردستان، معربة عن قلقها من أن معارضة الدول المجاورة يمكن أن يؤجج المزيد من الاضطرابات في منطقة الشرق الأوسط المضطربة أصلا، ولكن من الصحيح أيضا أن الأكراد يلبون العديد من معايير إقامة دولة، ويطبقون نظاما سياسيا يتميز بسمات ديمقراطية، وكانوا حلفاء مخلصين وفعالين ضد تنظيم الدولة الإسلامية في كل من العراق وسورية، وإن معارضة تركيا غير الليبرالية، وإيران الإمبراطورية، والعراق المتأثر بشدة بإيران، والنظام السوري الذي يدين في بقائه للتدخل العسكري الإيراني والروسي، كل ذلك يعزز الأدلة الجيوسياسية لإنشاء دولة كردية.

إن أحد الخيارات بالنسبة إلى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي (اللتين لم ترحبا على نحو مماثل بفكرة الاستقلال الكردي) سيكون الدعم أو المشاركة في المفاوضات بين حكومة إقليم كردستان والحكومة العراقية في بغداد. ويمكن أن تهدف هذه المحادثات إلى التوصل إلى حل توفيقي بشأن كيفية تقسيم الموارد والأقاليم أو تقاسمها، ويمكن لمحادثات موازية تشمل تركيا وحكومة إقليم كردستان معالجة المخاوف الاقتصادية والأمنية على السواء.

كما يجب على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أن يوضحا أيضا أن أي دعم من جانبهما للانفصال الكردي لن يكون سابقة للآخرين، وهناك بالفعل أكثر من 190 بلدا، وظهور بلدان جديدة ليس شيئا بسيطا ولا مستقيما، وتحتاج كل حالة إلى معالجة مختلفة حسب خصوصياتها، وللمجموعات الحق في المشاركة في تقرير مستقبلها، ولكن ليس لها أن تقرر بنفسها. لقد أبدى الأكراد العراقيون اختيارهم، وليس من العدل تجاهل إرادتهم، بل ينبغي أن يؤخذ طموحهم على محمل الجد.

* ريتشارد ن. هاس*

* رئيس مجلس العلاقات الخارجية ومؤلف كتاب "عالم في الفوضى: السياسة الخارجية الأميركية وأزمة النظام القديم".

«بروجيكت سنديكيت، 2017» بالاتفاق مع «الجريدة»