يبدو اليوم أن الاستفتاءات منتشرة في كل مكان، من تصويت الشعب الكردي للاستقلال إلى الاستفتاء الأيرلندي بشأن الإجهاض، كذلك ما زلنا نسمع مطالبات بإجراء تصويت آخر بشأن الاتحاد الأوروبي والاستقلال الاسكتلندي، ولكن هل تؤدي هذه الخيارات الثنائية إلى أي نتيجة غير تعميق الشقاق؟لا شك أن فهم التقاطعات المتعددة الأوجه في العقائد، والسياسات، والتاريخ في مكان جديد شبه مستحيل لكل مَن ليسوا معنيين بها، إذ تؤدي هذه المسائل دوراً كبيراً في صوغ الهوية الوطنية، ويكفي أن تسمع النشيد الوطني الإسباني (لا يضم أي كلمات، ولا قواسم مشتركة بينه وبين أي نشيد آخر في كل الدول الأوروبية باستثناء كوسوفو) لتدرك كم تبدو الهوية الوطنية الإسبانية مجزأة ومعقدة، حتى اللغة الموحدة تشكّل تحدياً. من المؤكد أن هذه الحملات والنتائج تولّد الشقاق (تبدد طبيعة الاستفتاء العام المزدوجة كل الشكوك والمناطق الرمادية من الجدال). ولكن مهما كان الاستفتاء صعباً، يظل شراً لا بد منه: عليك أن تفقأ تلك الدملة وتمضي قدماً، فمن دون عمليات التصويت هذه تزداد الخلافات العامة عمقاً وشقاقاً على الأرجح. فرضَ نزع ضمادة الاستفتاء على بريطانيا والاتحاد الأوروبي بأسره مهمة كبيرة يجب ألا نستخف بها (بما أنني مواطن بريطاني يقيم في إسبانيا، أواجه أبرز تداعيات هذه الخطوة السلبية)، لكن عدم إجراء الاستفتاء ما كان ليفضي على الأرجح إلى نتيجة أفضل.
خلال التفاوض على شروط خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ستبقى جراح كثيرة مفتوحة، ولكن ثمة إشارات (بخلاف ما نشهده هنا في كاتالونيا) إلى أن السياسات البريطانية بدأت تمضي قدماً، مع أنك قد لا تلاحظ ذلك. على سبيل المثال، في الانتخابات العامة هذه السنة، تحوّل عدد من المقاعد الآمنة إلى هامشي، كذلك شارك الآلاف في التصويت للمرة الأولى في حياتهم، وتراجعت حصص الأحزاب الوطنية كثيراً في إنكلترا واسكتلندا على حد سواء. صحيح أن سياسات الهوية متأججة في الجزء الأكبر من مواقع الإنترنت المساء استعمالها، ولكن إن كانت الاستفتاءات تزيد الطين بلة، فلن يدوم ذلك إلا لفترة وجيزة، فمن دون التصويت لن يكون المجال متاحاً للمضي قدماً، مما يؤدي إلى تفاقم الكره واقترابه من الانفجار.ظهر هذا جلياً خلال المرحلة التي سبقت الانتخابات العامة الأخيرة، والتي تمحورت حول تأميم الخدمات العامة وإنهاء التقشف بدل مشاكل الهجرة والاقتطاعات المتطابقة في الإنفاق، وما كان هذا ليحدث لو لم نجرِ استفتاءي 2014 و2016. وما كانت سياسة جيريمي كوربن، الذي يُعتبر من الأكثر تشدداً في جيله، لتزدهر لو لم يبدُ المسار واضحاً ويسمح للناس بالتخلي عن مواقفهم المتأصلة من الاتحاد الأوروبي واستقلال اسكتلندا.لا ينطبق الأمر عينه على إسبانيا. خاطب رئيس الوزراء ماريو راخوي أخيراً قادة كاتالونيا قائلاً: "تخلوا عن هذا التصعيد للأصولية والعصيان، ما زال الوقت أمامكم متاحاً لتفادي أسوأ الشرور". ورداً على ذلك، ندد رئيس كاتالونيا كارلس بوتشدمون "بموقف الدولة الإسبانية التوتاليتاري وغير الديمقراطي".ربما تبدو نظرتي وردية، إلا أنني لا أتخيل أن سياسيين بارزين في مناطق بريطانية مختلفة قد يتبادلون مستوى الخطاب هذا الشبيه بما اشتهر به ترامب، وربما وأكرر ربما، لن تُعتبر السياسات البريطانية دوماً مصدر الإحراج المقسّم الذي نقلق حياله باستمرار.*ريتشارد راسل** «الغارديان»
مقالات
الاستفتاءات مكروهة إنما ضرورية
05-10-2017