المجد لنسيجنا الاجتماعي
"إلا نسيجنا الاجتماعي"، كل الأمور الأخرى قد نتقبلها، قد نتفاهم ونتجادل حولها، لكن "نسيجنا الاجتماعي" أبداً... مستحيل... هو من المقدسات الاجتماعية، مثلما كانت هناك إعلانات قبل بضع سنوات على لوحات كبيرة منتشرة في الشوارع والصحف، تعظنا وتتوعدنا بعبارة "إلا صلاتي"، وكأن هناك سلطة غاشمة جبارة تريد منع الناس من الصلاة في بلد يضج بالمساجد، أيضاً "هم" يصرخون، لا هم لا يصرخون، هم يزأرون لأنهم أسود الهوية الوطنية المقدسة، ويحذرون كل من "تسول له نفسه" من "مغبة التلاعب بنسيجنا الاجتماعي"، وتلك عبارات خالدة تعلموها، وربتهم عليها السلطة الإنسانية، حين تهدد وتتوعد كل المتلاعبين بأمن البلاد وراحة العباد."إلا نسيجنا الاجتماعي" شعار مقدس يكرره ويجتره عدد من كتاب الدولة من أحباء الثقافة العميقة والنفس الإنساني العريض، وهم بقصد أو دون قصد يسبحون مع التيار السلطوي الرائع، فهم مع "المايه" مثلما كانوا ومازالوا مع كرم تياراتها السخية، وهو كرم حاتمي ينفذ لهم مباشرة أو عبر عدة ثقوب من حلقاتها القريبة السعيدة.
كثيرون يهددون نسيجنا الاجتماعي من شاكلة "البدون" والوافدين (بالتحديد العمال البؤساء منهم) واليساريين والإنسانيين، وطبعاً لا تنسون معهم أبناء القبائل، وهم البدو، سواء استقروا أو لم يستقروا في الحاضرة، أقصد حاضرة "جبلة، شرق، المرقاب"... وأيضاً معهم الذين قدموا من بلاد فارس ربما في وقت متأخر... كل هؤلاء السابقين، يهددون "نسيجنا الاجتماعي". لابد من خلط الحابل بالنابل في بلد القرقيعان الجميل، فمثلاً نجد البعض من الذين كانوا يهددون بتمزيق "نسيجنا الاجتماعي"، الذي خاطته أم أحمد العجافة قبل سنوات، لأنهم كانوا "دخلاء" عليه، الحمد لله، الآن هم يحذروننا من خطر تمزق نسيجنا الاجتماعي، فيما لو فتحنا باب تجنيس البدون (رغم أن هذا يكاد يكون من الأحلام، بعدما تضاءل حجم الدينار، كما يقول الزميل عبداللطيف الدعيج) أو تركنا الوافدين يتنعمون بالخدمات الصحية ببلاش، بينما المطلوب من العاملين الوافدين أن يلتزموا بروح الإنسان الآلي "روبوتات"، يعملون على مدار الساعة ولا يستحقون غير بركة رواتبهم الضئيلة، سبحان مغير الأحوال، كانوا (أقصد المهددين للنسيج النازي) بالأمس، قبل النفط، وحتى تاريخ قريب، يهددون نسيجنا الاجتماعي، هم الآن يحيكونه بدقة متناهية، وينقشون عليه آيات عشقهم للنقاء النفطي.متى ابتدأت حياكة خيم النسيج الاجتماعي، فكروا قليلاً، ربما عام 1959 حين شرع قانون الجنسية، أو قبل ذلك حين شيد سور الكويت الثالث في العشرينيات أو حين تكريس التراتبية والتدرج الاجتماعي والوجاهي بين شرق وقبلة ومرقاب، وبين من هم داخل السور ومن هم خارج السور... أو حين هطلت أمطار النفط، أو اليوم بعد أن بدأت بالجفاف... لا أعرف تاريخ الكون الذي صاغ لنا نسيجنا الاجتماعي، ورفع من شأن حماته وأبطاله.الشكر واجب والنقد محرم لفرسان نسيجنا الاجتماعي، لا يجوز انتقاد صالح الفضالة، ولو كان هذا النقد ليس ضده وإنما لنهج السلطة الاستبعادي، لكن لنفزع له، ولنأخذ صورة فوتوغرافية، تظهرنا معه، نحن وحدنا دون غيرنا كخيوط نسيجنا الاجتماعي الذهبية، الذين صدرنا بياناً نؤيد فيه جهود صالح الفضالة، فهو كان رأس الحربة، بعد أن كشف عن مئات وآلاف البدون الذين "يحملون جناسي أخرى والذين عدلوا أوضاعهم" رغم أنوفهم، مع أن البلد كله "موعدل"، فلا بطاقة ولا وجود، ولا كرامة ما لم تكن عندهم (البدون) بطاقات زرقاء أو خضراء أو... أو حمراء بلون الدماء... شكراً له، ولكل من حافظ على صفاء نسيجنا الاجتماعي... من يريد الآن أن يفصل له جلباباً متميزاً من خام نسيجنا الاجتماعي، وهو مشتق من خامة النفط، ليتفضل عند ترزية "الأنا" الكويتية، هم يعملون طول أيام الأسبوع حتى في أيام العطل الرسمية، فهم رسميون جداً لكن من دون رسمية.