شهدت العاصمة موسكو أمس انطلاق أعمال القمة السعودية- الروسية بين الملك سلمان بن عبدالعزيز والرئيس فلاديمير بوتين، وسط توقعات بأن تنعكس نتائجها إيجابياً لإرساء استقرار بعدد من الملفات الساخنة في المنطقة وسوق النفط العالمي.وجرت مراسم الاستقبال في قاعة «أندرييفسكي» بالكرملين، حيث التقى الرئيس الروسي بالملك السعودي وتصافحا، واستمعا إلى النشيدين الوطنيين للبلدين، ومن ثم بدأت المحادثات بينهما بحضور وفدين من الجانبين.
وقال الملك سلمان عقب الاستقبال إن الرياض تطلع إلى تطوير العلاقات مع موسكو لخدمة الاستقرار العالمي، لافتاً إلى التوافق بين المملكة وروسيا في العديد من الملفات.وشدد العاهل السعودي على ضرورة وقف تدخلات إيران في الشؤون الداخلية لدول المنطقة والأنشطة المقوضة للاستقرار الإقليمي، مؤكداً أهمية الحل السياسي للأزمة اليمنية وفقاً للمرجعيات.وطالب الملك بتأسيس مركز أممي لمحاربة الإرهاب، ورأى أن المجتمع الدولي مطالب بتكثيف الجهود لمكافحة التطرف والإرهاب وتجفيف منابع تمويله.وأكد ضرورة إنهاء الأزمة السورية وفق قرارات مؤتمر «جنيف1» والقرار الدولي 2254. ولفت إلى ضرورة العمل من أجل وقف معاناة الشعب الفلسطيني، وإقامة الدولة الفلسطينية على حدود عام 1967.وعن العراق، أكد الملك ضرورة الحفاظ على وحدة أراضيه والتركيز على مكافحة الإرهاب، فيما طالب بضرورة رفع المعاناة عن مسلمي الروهينغا في بورما.
تعاون ثنائي
وعلى مستوى العلاقات الثنائية، أشار العاهل السعودي إلى مساعي بلاده لتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري بين روسيا والسعودية. وقال إن بلاده ستواصل العمل مع روسيا على استقرار أسعار النفط. وأشاد الملك، الذي وصل إلى موسكو مساء أمس الأول، بحفاوة الاستقبال الروسي، معرباً عن سعادته بزيارة روسيا، في أول زيارة يقوم بها ملك سعودي إلى موسكو. ووجه العاهل السعودي دعوة للرئيس الروسي لزيارة الرياض.وفي أعقاب القمة، وصف بوتين محادثاته مع الملك سلمان بأنها كانت غنية المضمون ومفصلة ومتسمة بالثقة.وقال الرئيس الروسي، فلاديمير بوتن إنه يثق بأن زيارة العاهل السعودي «ستعطي زخما كبيرا للعلاقات المشتركة بين موسكو والرياض»، مشيراً إلى أن أول زيارة لعاهل سعودي إلى روسيا هي «حدث رمزي بحد ذاته».وأعاد بوتين إلى الأذهان تاريخ العلاقات الثنائية بين موسكو والرياض، مذكراً بأن الاتحاد السوفياتي كان أول دولة اعترفت بالمملكة العربية السعودية في عام 1926.وحضر اجتماع القمة بين الزعيمين وفدان يضمان كبار المسؤولين، حيث يمثل الطرف الروسي كلا من وزراء الخارجية، سيرغي لافروف، والدفاع سيرغي شويغو، والاقتصاد ألكسندر نوفاك، ومساعد الرئيس يوري أوشاكوف، بينما يحضر عن الطرف السعودي كل من وزير الخارجية عادل الجبير، ووزير الطاقة والصناعة والثروة المعدنية خالد الفالح، بالإضافة إلى مسؤولين آخرين.اتفاقيات وتسلح
وفي ختام القمة التي شهدت مناقشة أجندة مكثفة بين الزعيمين تم توقيع حزمة من الاتفاقيات الثنائية بين البلدين.ولاحقاً أقيمت في مقر الرئاسة الروسية مأدبة عشاء على شرف الملك سلمان الذي يجري اليوم مفاوضات مع رئيس الوزراء ديمتري ميدفيديف قبل شهر واحد من اجتماع جديد لمنظمة الدول المصدرة للنفط «أوبك».ويفترض أن يناقش لقاء الملك ورئيس الوزراء إمكانية تمديد اتفاق تقليص انتاج النفط بين الدول الأعضاء وغير الأعضاء في «اوبك» مثل روسيا، لإنعاش أسعار النفط.وأعلن أمس موافقة الرياض على شراء نظام «اس ـ 400» للدفاع الجوي في صفقة تضمن أسلحة أخرى يتوقع أن تصل إلى 3 مليارات دولار. وأكدت مصادر أن توقع عقود الشراء في نهاية أكتوبر الحالي.وعكست الزيارة المقررة منذ فترة طويلة وأرجئت مرات عدة، التقارب الأخير بين موسكو والرياض الحليفة التقليدية لواشنطن.منتدى وصناديق
في غضون ذلك، انعقد أمس منتدى الاقتصاد السعودي- الروسي في موسكو، بحضور وزير التجارة السعودي، ووزيري الطاقة السعودي والروسي، ورئيس الصندوق الروسي المباشر، وخلصت أجندة المؤتمر إلى التركيز على الإرادة الجدية للبلدين لتنمية التبادل التجاري وتشكيل لجنة لرفع قيمة التبادل.ويتوقع أن تشهد زيارة العاهل السعودي، التي بدأت مساء أمس، توقيع أكثر من 10 اتفاقيات كبرى، من شأنها أن ترسم خريطة مستقبل العلاقات بين البلدين.ومن بين الاتفاقيات المتوقعة تأسيس 3 صناديق كل واحد منها بقيمة مليار دولار للاستثمار في مجال التكنولوجيا، والطاقة، والبنية التحتية والتعاون في مجال تحلية المياه، وترشيد استخدام الطاقة في مكيفات الهواء، بالإضافة إلى استثمار سعودي في الطرق الخاضعة للرسوم في روسيا.وأعلن وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك أن قيمة اتفاقيات الاستثمار المتوقعة خلال الزيارة تزيد على 3 مليارات دولار.ونقلت وزارة الطاقة الروسية عن نوفاك قوله، إن الاتفاقيات ستتضمن صفقة بقيمة 1.1 مليار دولار تقوم شركة البتروكيماويات الروسية سيبور بموجبها ببناء مصنع في السعودية.ومنحت الهيئة العامة للاستثمار السعودي تراخيص لـ4 شركات روسية للعمل بشكل كامل في مجال الإنشاءات.وتحدث وزير الطاقة السعودي عن نتائج اتفاقية الرياض وموسكو في النفط، وأن آثارها الإيجابية ستمتد للاقتصاد العالمي كله.وعقد الجبير ولافروف مؤتمرا صحافيا عقب القمة، قال خلاله وزير الخارجية السعودي إن بلاده تعمل بتعاون وثيق مع روسيا، لتوحيد المعارضة السورية، مضيفا أن البلدين متفقان على الحاجة للحفاظ على وحدة الأراضي السورية ومؤسسات الدولة.وشدد على أن روسيا والسعودية تؤمنان بمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وبمبدأ وحدة أراضي الدول، ورأى أن العلاقات بين البلدين تعيش مرحلة تاريخية ومؤسسية مع فتح مجال التعاون في جميع المجالات وفي مقدمتها الاستثمار.