ربما ذكرى "انتفاضة الأقصى"، التي حلت في 28 سبتمبر الماضي، قد ضاعت وسط تزاحم الأحداث التي بات ينشغل بها العرب كلهم، مع أن هذه الانتفاضة كانت مفصلية بالفعل في تاريخ القضية الفلسطينية، وأسفرت عن مستجدات كثيرة في الصراع الفلسطيني مع الإسرائيليين، الذين عندما احتلوا الضفة الغربية، ومن ضمنها القدس والمسجد الأقصى وقبة الصخرة المشرفة، كانوا يعتقدون أن بإمكانهم أن يقتلعوا هذا الشعب من أرضه وأرض آبائه وأجداده بسهولة، و"رميهم" إلى الشرق من نهر الأردن، ليلتحقوا بمن سبقهم إلى حياة اللجوء والتشرد!

في 28 سبتمبر 2000 قام رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إرئيل شارون، برفقة مجموعة من المغاوير الإسرائيليين، الذين كانت أصابعهم على "أزندة" رشاشاتهم، باقتحام باحة المسجد الأقصى بطريقة همجية واستفزازية، فبادر المصلون الفلسطينيون إلى التصدي له ولحرسه، وكانت مواجهة تصادمية منذ اللحظة الأولى، ما لبثت أن تصاعدت رداً على أعمال العنف التي لجأ إليها الإسرائيليون، وتحولت إلى تلك الانتفاضة العظيمة التي كانت منعطفاً فعلياً في تاريخ النضال الفلسطيني.

Ad

كانت خسائر الشعب الفلسطيني في هذه الانتفاضة، التي بدأت في 28 سبتمبر 2000، ولم تنته إلا في 8 فبراير 2005، 4412 شهيداً فلسطينياً، و48322 جريحاً، بينما كانت خسائر الإسرائيليين 1069 قتيلاً عسكرياً ومستوطناً، و4500 جريح، إضافة إلى "إعطاب" 50 دبابة، وعدد من المدرعات والسيارات العسكرية، وحقيقة هذا كله يدل على أن الفلسطينيين، وكما هو الوضع الآن، باتوا يشعرون بعدم جدوى عملية السلام، وبفشل اتفاقيات أوسلو، وكل ما ترتب على مؤتمر كامب ديفيد، وكل هذا بينما واصل الإسرائيليون سياسة الاغتيالات والاعتقالات والاجتياحات، واستمروا في بناء المستوطنات في العديد من مناطق الضفة الغربية.

لقد اغتنمت إسرائيل الفرصة بعد انفجار الانتفاضة الفلسطينية، وبادرت إلى حملة تصفيات للعديد من قادة الصف الأول الفلسطيني، من بينهم الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات (أبو عمار)، الذي ثبت بالأدلة والبراهين القاطعة أن شارون هو المسؤول عن اغتياله بدس السم له في طعامه، ومن بينهم أيضاً الشيخ أحمد ياسين، وعبدالعزيز الرنتيسي، والأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أبوعلي مصطفى، وكان كذلك من نتائج الاعتداءات الإسرائيلية خلال سنوات هذه الانتفاضة تدمير مؤسسات السلطة الوطنية، وشل حياة الفلسطينيين كل هذه السنوات، بينما كان من نتائجها على الإسرائيليين أنهم أصبحوا على قناعة تامة بعدم قدرتهم على التخلص من الشعب الفلسطيني، وتحطيم مقولة الجيش الذي لا يقهر، وانعدام الأمن في الشارع الإسرائيلي بسبب العمليات الاستشهادية.

ويقيناً ان هذا الدرس، الذي تعلمه الإسرائيليون من هذه الانتفاضة، هو الذي جعلهم ينسحبون من مواجهة المسجد الأقصى الأخيرة انسحاباً كيفياً، وجعلهم يستسلمون للمطالب الفلسطينية، ويلغون قراراً سابقاً بمنع الشبان الفلسطينيين من أداء الصلاة في هذه الأماكن المقدسة، فالخوف من انتفاضة جديدة ستكون خسائرهم فيها أكثر كثيراً من خسائرهم في الانتفاضة السابقة هو الذي جعلهم يستسلمون للأمر الواقع، ويتخلون عن الكثير من أساليبهم السابقة.