أحيت الفنانة المصرية ريهام عبدالحكيم أمسية غنائية بمركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي (دار الأوبرا)، ضمن فعاليات الموسم الثقافي لعام 2017، وجاء الحفل تحت عنوان «كلثوميات»، حيث استحضرت الفنانة الشابة درر كوكب الشرق أم كلثوم تحت قيادة المايسترو عماد عاشور.انساب صوت ريهام بين الحضور لتداعب الأرواح، وتثير في الأنفس الأشجان، وتستعيد الذكريات، وتنثر إبداعاً ظهر للنور قبل سنوات، ومازال يفرض نفسه على المشهد الفني في أي فعالية تحرص على استحضار روح التراث، ليحتشد جمهور متذوق للفن عاشق للطرب الأصيل تأسره الكلمة الصادقة واللحن العذب، هكذا كانت إبداعات أجيال سبقتنا بسنوات ومازال طيف أعمالهم يظلنا ويحمل لواء احيائها عشاق زمن الفن الجميل. إنه مشهد استثنائي في دار الأوبرا عاد بنا إلى ماضي تهفو إليه القلوب، عندما كانت كوكب الشرق تعتلي المسرح، وتقف في شموخ أمام جمهور احتشد من كل حدب وصوب للاستماع والاستمتاع، تبدّل الزمان واختلف المكان ولكن بقي الإبداع.
وانطلاقاً من قناعة مسؤولي دار الأوبرا بأهمية دعم التراث، وحرصاً على تواصل الأجيال يتجدد في أول خميس من كل شهر الموعد مع مجموعة مختارة من أغنيات كوكب الشرق أم كلثوم بأصوات نخبة من فنانات دار الأوبرا من مصر الشقيقة بقيادة المايسترو د. عماد عاشور، وفرقة عربية كلاسيكية مكونة من 20 عازفاً.وأحيت حفل أمس الأول الفنانة ريهام عبدالحكيم، التي عرفها الجمهور من خلال مسلسل «أم كلثوم» للمخرجة انعام محمد علي، وجسدت فيه ريهام شخصية كوكب الشرق في صباها، وفي رصيد المطربة المصرية الشابة ألبومان «كلثوميات» و«أحلى هدية»، فضلا عن مجموعة من الأغنيات المنفردة.
أمل حياتي
وتجلّت ريهام على مسرح مركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي إبداعاً بـ6 أغنيات من أرشيف كوكب الشرق، لتنثر البهجة بين الجمهور، وتحلق في سماء الفن إبداعاً، فاستحقت كلمات الإشادة وعبارات الثناء ونظرات الامتنان على هذه الجولة في رحاب «الست»، كما يلقبها بني جلدتها، واستهلت عبدالحكيم الحفل على وقع أنغام أغنية «أمل حياتي» من كلمات الشاعر أحمد شفيق كامل، ومن ألحان موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب، وهي من إنتاج 1965، إذ صالت عبدالحكيم وجالت متكئة على مساحة صوتها التي راهنت عليها منذ دخولها الوسط الفني حتى لحظة وقوفها أمامنا في الكويت، لتنتقل برشاقة بين كوبليهات «أمل حياتي»، فتحرك داخل كل منا ذكريات طوتها سنوات.وتمضي الفنانة المصرية في الأمسية لتقدم اختيارها الثاني أغنية «هجرتك»، والتي شدت بها كوكب الشرق عام 1959 من كلمات الشاعر أحمد رامي، ومن ألحان رياض السنباطي، وكسبت ريهام الرهان على اختيار ذكي بواحدة من أبرز أغنيات أم كلثوم، لاسيما أن من نظم كلماتها رامي، الذي تتصف أشعاره بصدق التصوير وحسن التعبير، وبدا واضحاً مدى التناغم والانسجام ما بين ريهام والفرقة الموسيقية بقيادة المايسترو عاشور.رابعة العدوية
أما اختيار عبدالحكيم الثالث كان لقصيدة «حانة الأقدار» من كلمات طاهر أبوفاشا، ومن ألحان محمد الموجي، والقصيدة إنتاج عام 1963 من فيلم رابعة العدوية، حيث تصدرت كوكب الشرق أداء الأغنيات، بينما جسدت الفنانة نبيلة عبيد دور الزاهدة رابعة بنت إسماعيل العدوي، وأثبتت ريهام في أمسية دار الأوبرا تمكنا كبيرا من قواعد اللغة العربية وهي تشدو بـ»حانة الأقدار» عربدت فيها لياليها ودار النور والهوى صاحي، هذه الأزهار كيف نسقيها وساقيها بها محمور كيف يا صاح» ويمر الوقت وتزداد ريهام ألقاً أمام حضور انتشى طرباً بما تشدو به الفنانة المصرية التي اقتطفت من شجرة أم كلثوم الوارفة عنقوداً من نور يضيء به سماء دار الأوبرا، فكان اختير «الأطلال» في محله، تلك القصيدة التي يعرفها الجمهور من مطلعها الموسيقي، والأطلال قصيدة للشاعر الطبيب إبراهيم ناجي، وقد أنشدت أم كلثوم بعض أبياتها مضافاً إليها أبيات اختارتها من قصيدة «الوداع» للشاعر نفسه، وحملت الأغنية اسم الأطلال، وكانت من ألحان الموسيقار رياض السنباطي غنتها كوكب الشرق لأول مرة عام 1965 بعد وفاة شاعرها بـ13 عاما، ويعتبرها الكثيرون أجمل ما غنت أم كلثوم.مسك الختام
وتخطو ريهام بثبات نحو نهاية أمسية هي أقرب بحلم ليلة صيف، فتختار أغنية «حبيبي يسعد أوقاته» من كلمات محمود بيرم التونسي، ومن ألحان زكريا أحمد، وقدمتها كوكب الشرق للمرة الأولى عام 1943، وما بين صوت ريهام الذي زلزل الوجدان وعزف الفرقة بقيادة المايسترو عاشور، عاش الحضور على أنغام الأغنية بين الواقع والخيال، عندما غنت ريهام: «حبيبي يسعد أوقاته على الجمال سلطان، في نظرته وابتساماته فرحة فرحتك يا زمان، ولما يخطر بقوامه ترقص الأغصان، ولما ينعم بكلامه تعزف الألحان».أما مسك الختام فكان مع «رق الحبيب وواعدني يوم ... وكان له مدة غايب عني، حَرَمت عيني الليل من النوم ... لأجل النهار ما يطمّني» من أغنية «رق الحبيب» التي نظم كلماتها الشاعر أحمد رامي، ولحنها محمد القصبجي عام 1944، فحملت كلمة الختام على حفل استثنائي يؤسس لأهمية استحضار التراث والحفاظ على إرثنا الثقافي والفني في مواجهة المد الغربي، الذي تسبب في ظهور أعمال هجينة.