«High Light»: جوهر المواطنة
إن شيوع قيم المواطنة بين أفراد المجتمع بما تحمله من قيم الانتماء و الولاء والتعايش وتقبل الآخر... إلى غير ذلك من قيم، يصون حقوق الجماعات العرقية والدينية والمذهبية... وينأي بها عن أي تعصب أو تمييز عنصري، فضلاً عن تعزيز وتفعيل التواصل بعلاقات متبادلة بين هذه الجماعات المختلفة داخل المجتمع؛ ما من شأنه تحقيق الاندماج الثقافي بين الأفراد الذي يقود في النهاية إلى التجانس الاجتماعي والوحدة الوطنية.ومن المفيد هنا الإشارة إلى بعض السمات والدلالات التي توضح من وجهة نظرنا مدى تحلي الأفراد بقيم المواطنة، وتتمثل في الانشغال بهَمِّ الأمة من خلال مناقشة قضاياها العامة، فيكون للفرد رأيه الخاص، بممارسة الحرية بكل أشكالها، حرية التفكير والتعبير والحركة والفعل في إطار ما كفله الدستور الكويتي، فالحرية مقابل المسؤولية التي تصاغ أفكارها بذكاء مع التأكيد على أهمية الحوار والإقناع بالدليل والبرهان، والبعد كل البعد عن التعصب لفكر أو أيديولوجيا أو موقف عقائدي بعينه. أما سمات مجتمع دولة المواطنة الدستورية فتتمحور حول العدالة والإنصاف ومكافحة الفساد بكل أشكاله وصوره مهما كان مصدر نفوذه، فضلاً عن احترام القوانين وعدم مخالفتها أو إلحاق الأذى بالآخرين ومصادرة حقوقهم، مع الإصرار على تحقيق العدالة الاجتماعية، إلى جانب الكياسة والتحضر في طريقة التعامل مع الآخر في ظل الاختلاف تحقيقاً لقيم المواطنة في التعايش والمشاركة بوطن واحد ومصير مشترك تحت مظلة المساواة وعدم التميز.
إن هذه السمات تشير إلى مراحل التنشئة الأولى لدى الأفراد بإكسابهم قيم المواطنة، وهنا تظهر بجلاء أهمية دور الأسرة في تشريب أبنائها قيم الولاء والانتماء، فالأسرة بقيمها الديمقراطية تنتج جيلاً ديمقراطياً متسلحاً بقيم الولاء والانتماء التي ترفض قيم التسلط والاستبداد، والتي تتناقض في حقيقتها مع "جوهر المواطنة" وتتنافى مع أبسط قيمها؛ لذلك فالأسرة صاحبة الفكر الديمقراطي قادرة على تعزيز قيم التسامح والتعايش مع الآخر، واحترام حقوق الأقليات ونبذ الكراهية وحل الخلافات بالحوار والمناقشة؛ وبمعني أدق فالأسرة هي صانعة الديمقراطية والديمقراطيين، لذلك فهي أساس الحرية ونبذ التعصب والقبلية والطائفية والفئوية... إلى غير ذلك من تقسيمات بغيضة، لذا أصبحت التربية الأسرية نواة للتربية المجتمعية لأنها قلب الديمقراطية في المجتمع، وهذا ما أكده التراث الإنساني وما نتج عنه من أدبيات عبر التاريخ. ختاماً:إن التهميش وهضم الحقوق وعدم إشباع الحاجات الأساسية للأفراد من تعليم وصحة وتوظيف ترسخ لديهم الشعور باللاعدالة واللامساواة، مما يؤثر على إحساسهم بالولاء والانتماء ويضعف لديهم الشعور بالمواطنة، وهذا بطبيعة الحال يؤثر على وحدة وتماسك المجتمع ومدى استقراره وتقدمه. ودمتم بخير.