عندما يستيقظ المارد
عندما قرأت أن الإيطاليين يأكلون طعاما صينيا كل يوم، حيث إن 20% من صناعة "الكاتشب" صينية، توقفت باسما، لكن قفز إلى ذهني، أن سجادة الصلاة التي نستخدمها اليوم، والتي تحدد اتجاه القبلة، هي أيضا صناعة صينية، بل إن أغاني رمضان، من خلال فوانيس الأطفال، هي أيضا صينية، ولكنها تنطق بالعربية. ينسب إلى نابليون قوله، عندما يستيقظ التنين سيرتعش العالم، والتنين الذي قصده نابليون هو الصين، ويبدو أن نبوءة نابليون بدأت بالتحقق منذ فترة، ويبدو أن اكتمال الاستيقاظ بات قريبا، والاستيقاظ الذي تبدو ملامحه، أو بدت منذ سنوات عدة، ليس استيقاظا عسكريا، كما قد يكون قصد بونابرت عندما قال عبارته، لكنه استيقاظ اقتصادي، جعل الصينيين شركاء لكل مواطن عالمي في حياته، وباتت علامة وجود الإخوة الصينيين مثبتة بكلمة "صنع في الصين" الحاضرة في حياتنا جميعا اليوم. الميزة المهمة في الصحوة الصينية هي أن جميع ملامحها نعيشها يوميا، عندما وضعت كل هذه الحقائق متراصة، بدا حجم الصحوة، وانتابتني مشاعر الحزن من الحالة التي نحن عليها، وفي الوقت ذاته الإعجاب بالتجربة الصينية.
حسب التقارير فقد تضاعف نصيب الفرد في الصين من الناتج المحلي الإجمالي نحو 6 مرات تقريبا ليصل إلى 6800 دولار أميركي بالمقارنة بالسنوات العشر الماضية، بالإضافة لامتلاك الصين لأكبر احتياطي نقدي أجنبي في العالم بمقدار 3.2 تريليونات دولار، وبذلك تعتبر الصين ثاني أكبر اقتصاد على مستوى العالم لتحل مكان اليابان التي كانت تسيطر على هذا المركز بعد الولايات المتحدة الأميركية. وأصبحت الصين وحدها تستحوذ على نسبة 12% من إجمالي الصادرات العالمية، حيث بلغ نمو صادرات الصين في الفترة من 1990 إلى 2012 نسبة 17%، وتمتلك الصين نسبة 10% من إجمالي الواردات العالمية، حيث تستورد نسبة من المواد الخام والمواد البسيطة والتي تستعملها في إنتاج صادراتها وتحويلها إلى سلع متطورة، وتمتلك الصين أيضا نسبة 66% من وارادت السلع الوسيطة في آسيا، بالإضافة إلى 25% من السلع المصدرة إلى كوريا واليابان.وتعتمد الصناعات الصينية على عدة محاور، حيث توجد صناعات تعتمد بشكل أساسي على رأس المال وصناعات أخرى تعتمد على العمال، وجانب آخر يعتمد على التراكم المعرفي، لكن الملاحظ أن إدارة الاستثمار في الصين تعتمد أساسا على مفهوم إزالة أي معوقات تواجه الاستثمار، وهكذا نجد دولة شيوعية النظام السياسي نجحت بآليات سوق ومفاهيم رأسمالية في أن تغزو العالم.وفي مقابل حالة التسيب والاستسهال واللامبالاة التي نعيشها، وتعيش فينا، في معظم مجتمعاتنا العربية، فإن الصحوة على الطرف الآخر مختلفة، مجتمع قرر أن يحيا حياة عسكرية، لكن من أجل الإنتاج، جنود ولكن في المصانع، عقول تعمل بمنطق وهدف الانتشار وغزو الأسواق، قرروا أن يغزوا العالم بمنتجاتهم ليهربوا من الفقر، ولتتحسن أحوالهم المعيشية، وأظن أن أحد الفوارق الرئيسة بيننا وبينهم، هي أننا مازلنا نعمل بمنطق القرية، ويحكمنا الفكر الاقتصادي والتجاري الريفي، بمعنى أننا ننتج ما نحتاج إليه، ونبيع الفائض عن حاجتنا، وهو المبدأ السائد في الريف والمجتمعات البدائية، حيث يسود مبدأ المقايضة، هذا المنطق البدائي، هو الذي يسود علاقاتنا الاقتصادية والسياسية مع العالم، فنحن نصنع، إذا صنعنا، ما نعتقد نحن أنه مناسب، وننتج، إذا أنتجنا، ما يروق لنا، وما نستسيغه، وإذا ما صدمتنا النتائج، برفض العالم خارج حدودنا لما صنعناه وأنتجناه، فالعيب فيهم لا فينا، لأن ذوقهم مختلف عنا ولا يرضون بما نرضى. الرؤية الصينية للأمور معكوسة، فهم منتشرون في كل مكان تقريبا، يمارسون شكلا جديدا من أشكال الجاسوسية، يتجسسون على أذواقنا وعاداتنا، ما نحبه وما لا نحبه. ما نحتاج ومدى حاجتنا، وكيف نحتاج، ميزانيتنا الخاصة في بيوتنا، ثم يعودون إلى مصانعهم بهذه المعلومات الحيوية والمهمة ليصنعوا، وينتجوا لنا ما نحتاج، بالسعر الذي يفاجئنا برخصه، ويتم كل هذا بكل الجدية والانضباط والنجاح. الصينيون قرروا أن يقهروا الماضي، ويغزوا المستقبل بفكر إنتاجي، ونحن نبحث عن حلول واقعنا دون أن نقتنع بأن العالم قد تغير وأن التحدي الحقيقي هو أن نمنح الاستثمار دعما حقيقيا لا دعما لفظياً.