مقابلة مع الضحك
وجدت تحت عمود الانارة «الضحك» ذاته، فبدأ بالكلام: «المشاكل ملح حياتكم، وأنا بهارها، إنني ردة فعلكم الفطرية تجاه أي شيء يتمرد على توقعاتكم أو يفضح سلاسل تفكيركم، أموت بالتنظيم، وأحيا بالمفاجآت؛ ففي لندن أحتاج تشارلي تشابلن ليهرب من قفص الأسد فيدخل في قفص النمر، وفي المسكيك أعتاز إلتشاپولين ليتنكر في زي نحلة ويقاتل اللصوص فيخطفوه، وفي الهند رأيت ڤاديڤيل يطفئ حريق دكان القرية بعبوة بنزين، أنا خياركم البديل لآلام أخطائكم أيها الآدميون المجبولون على التجارب والمائلون إلى الفوضى، أنا جمال اللا كمال عندكم».أدهشني عمق منطقك رغم سمعتك بصحبة الأغبياء! تنحنح الضحك، ثم قال: أليس العبقري من لا يسلسل أفكاره وفق ما ورثه من المجمتع؟ فأنا أكون صديقه الحميم! ألست أنا ناتج نشاط ذهني معقد؟ ألا يحتاج الضاحك نظامين فكريين بنفس الوقت؟ نظاماً يستوعبه، وآخر ينقد الأول به؟، قلت: متى غدوت فناً محترماً أيها الضحك؟ فعلق: بدايةً أحترم رأيكم، لكنني وُلِدت مع الديمقراطية عند اليونان، فحينما أراد المرشحون السخرية من منافسيهم، ابتكروا المسرحيات الفكاهية وأسموها كوميديا.
السؤال الذي انتظرت البشرية سماع جوابه منك أيها الضحك، ما هي أحسن نكتة؟ قال: إذا دغدغت امرأة في شارع، فسيجعلك المخفر أتقى الأتقياء! ولكن لو دغدغتها قبل ٣٥ سنة وهي في المهد، لتبسم الجميع لطيبة قلبك، فأنا ظريف أبدا بظَرفيّتي، وما على الفنان سوى التحفيز المعقول والتبرير المقبول. لم أفهم كلامك أيها الضحك! أعاد ظهره إلى الجدار، وقال: المرأة ستُحرج إذا ضحكت وحدها في الأسواق، حتى لو كانت تقرأ رسالة ظريفة، أليس كذلك؟ بخلاف لو ضحكت في السينما، فأنتم البشر، تنتظرون موقفاً يسمح لكم مجتمعكم فيه بالضحك، قلت: الآن فسرت التبرير ولم تفسر التحفيز؟ فرد بسرعة: كل نكتة ليست إلا قصة. وآخر جُملة تسمى الجملة الضربة، يكون تزمينها ملتزماً بحرارة العاطفة، فلو كانت عن زوجين يمشيان على الكورنيش، وَجب البطء، لأن مزاج المتلقي سيعتبر سرعة «الجملة الضربة» أمراً مزعجا، والعكس صحيح، وعندما كان إسماعيل ياسين رحمه الله يقوم بكوميديته الصامتة كان رأسمال فَنِه تأخير وتقديم ردود أفعاله، ذات الطابع الكرتوني. كيف يقال إنك سمة الناجحين؟ رد بقوة: الهاش الباش، مَن يمارس قاعدة «اسعد تسعد»، فكيف لا أكون سمته؟ ردك مفحم أيها الضحك، يذكرني بمواقف الرسول عليه الصلاة والسلام التي أضحك بها الصحابة بتشبيه بلال رضي الله عنه مؤذن المدينة بالديك لأن كليهما مؤذن، وإعطائه أبا هريرة كنيته هذه لأنه كان يداعب هِرة، أشهد إنك للناجحين رفيق. استحيا الضحك، ثم طأطأ رأسه بخجل، وهو يحدق في الأرض، وقال: «هذا وأنا ابن نكتة».