سماح أبو بكر عزت: الكتابة للطفل «فخّ بالغ الجمال»
• ترى أن دور النشر لا تولي اهتماماً لأدب الأطفال
الكتابة للطفل ليست بالأمر السهل، هذا ما أكدته كاتبة أدب الأطفال سماح أبو بكر عزت التي أصدرت كتباً عدة في هذا المجال نالت عنها جوائز، وكان آخرها وصول كتابها «المنزل الأزرق» إلى قائمة الشيخ زايد القصيرة في مجال أدب الطفل في دورتها الـ11، وتكتب سماح للأطفال منذ زمن بعيد، ما أصقل خبرتها وجعلها تعرف جيداً كيف تخاطب الطفل من دون أن يتسرب إليه الملل، فهي تحكي بقلمها مثلما تحكي الجدة لأحفادها فتروي شغفه وفضوله... التقتها «الجريدة» وكان هذا الحوار.
لماذا اخترت الكتابة للطفل رغم كونها إحدى أصعب الكتابات بحد وصف البعض؟لم أختر الكتابة للطفل، لم يكن قراراً اتخذته بل حلماً عشته. في البداية، كانت هذه الخطوة مع الحكاية ولا يزال صدى صوت جدتي وحكاياتها التي سكنتني منذ أعوامي الأولى معها. كانت أول «حدوتة» في حضنها الرحب. كنت أغفو كل يوم على صوتها الحنون، تحكي لي قصة أكمل أحداثها في الحلم... وعاماً بعد عام، ترسخت قيمة القصة في وجداني، فكنت أجمع أطفال العائلة وأحكي لهم «حدوتة» أغير في كل مرة أحداثها، ونهايتها، ولم أكن أدري أنها بدايتي مع عالم الكتابة للطفل الذي أعشق.
كيف تخاطبين الطفل؟أسعى دوماً إلى مخاطبة الطفل بما يشغله، فألمس أوتار حلمه، وأشجعه على القراءة بتقديم كتاب مبهر في موضوعه ورسمه وإخراجه. يقيني أن بإمكاننا مواجهة المشكلات كافة ومعالجتها من خلال القصص. مثلاً، انغماس الأطفال في عالم التكنولوجيا وارتباطهم بالفيسبوك وغيره، عالجتها من دون مباشرة في قصة «المنزل الأزرق» عن دار «البنان» ببيروت التي وصلت إلى القائمة القصيرة في جائزة الشيخ زايد لأدب الطفل في دورتها الحادية عشرة. أكتب القصة للطفلة التي تسكنني وأحكيها لمئات الأطفال. متعة السرد تكمل لوحة الإبداع. هو تفاعل مباشر أخشاه وأسعد به في الوقت نفسه، فالطفل كائن شفاف لا يعرف المجاملة ومنتهى نجاح أي مبدع أن يلمس تأثير كتاباته في وجدان المتلقي، فما بالك إن كان طفلاً ابتسامته تلون النهار!
التكنولوجيا والربيع العربي
هل طفل اليوم شغوف بمتابعة كتب الأطفال في ظل وسائل الترفيه المتعددة؟لقصص الأطفال والحكايات سحرها على مرّ الزمان، ومهما تطوَّر ركب التكنولوجيا يظلّ للحكاية رونقها. وفي عصرنا الراهن، لا بد من أن تأخذ الحكاية شكّلها الجذاب الذي يدهش الطفل، تقتحم عالمه وتخاطبه بما يهمه ويشغله، بأسلوب بعيد عن المباشرة والوعظ، وقد أسعدني تفاعل الأطفال المدهش مع ورش السرد التي أقدمها في مصر والخارج ومنحني الأمل في عودة الكتاب إلى عرشه وشجعني على تقديم برنامج للأطفال على شاشة التلفزيون المصري بعنوان «احكي يا ماما سماح»، حيث أسرد في كل حلقة إحدى قصصي، ويدور حوار حول أحداث القصة مع الأطفال المشاركين في الحلقة.ولكن في رأيك ما الذي يحتاج إليه الطفل بعد التغيرات العاصفة جراء ما يُسمى الربيع العربي؟ الربيع العربي لم يحدث ثورة على المستوى السياسي فحسب، بل على المستوى الاجتماعى أيضاً. شارك الأطفال في الثورة المصرية فصاروا أكثر نضجاً ووعياً وجرأة على مواجهة المصاعب، لكنها سلبت منهم في الوقت نفسه الإحساس الطفولي البريء والشعور بالأمان. طفل اليوم ظلمته الحوادث التي تحيط به، من حروب ودمار وصراعات. لم ينل الطفل العربي ما يستحقه من حياة كريمة، فكَبُر في السن قبل الأوان، ووسائل التواصل الاجتماعي جعلته يطّلع على أمور موجعة. نحن وفرنا له التكنولوجيا ووسائل الرفاهية ولم نوافر له التعليم الجيد والاهتمام به. نتحدث طوال الوقت عنه ولا نتحدث إليه. وفي رأيي، تقع على كاتب الأطفال مسؤولية كبيرة، إذ عليه أن يصحح مفاهيم كثير ربما تختلط على الأطفال ويحاول أن يفتح لهم آفاقاً موازية يطلون منها على عالم الخير والعدل والسلام.أصدرت أخيراً قصة «حمادة صانع السعادة» عن دار «البرج ميديا» في أبو ظبي، تناولت من خلالها موضوع الحرب وحاولت أن أقدمه للطفل بشكل قريب إلى وجدانه يزرع في قلبه زهور الأمل رغم الدمار.تحديات
ما هي أبرز المشاكل التي تواجه إصدارات الأطفال؟للأسف الشديد، دور نشر كثيرة لا تولي اهتماماً لأدب الطفل، ولكن بدأت دور عدة في إصدار كتب بهدف المشاركة في المسابقات المتعددة ذات الجوائز القيمة. لا يزال كتاب الطفل يحتاج المزيد من الاهتمام من القيمين عليه، خصوصاً دور النشر فهي الوسيلة التي من خلالها ترى الفكرة النور وتصبح في متناول أيدي الأطفال وعقولهم.ما هو التحدي الصعب إزاء من يكتب للطفل؟سئُل الكاتب الإيرلندي صمويل بيكيت، لماذا لا تكتب للأطفال؟ فأجاب بكل ثقة: «لأني لم أنضج بعد». خاض كثير من الأدباء العظماء تجربة الكتابة للأطفال بحب وفخر، من بينهم أديب روسيا الروائي العظيم ليو تولستوي، ويقول: «يقولون إنني كاتب كبير ولا يعرفون إنني كبير بكتابتي للأطفال». الطفل ميزان كل جميل، فإما أن يعجب بالفكرة ويتفاعل معها وإما لا تلمس وجدانه وينصرف عنها، فلا لون رمادياً عنده ولا أنصاف حلول. لذا لم تكن يوماً الكتابة للأطفال بالأمر السهل، بل هي في الواقع مأزق، أسميها أنا «فخ بالغ الجمال» يجمع بين العمق والبساطة في آن، لكنه العمق من دون تعقيد، والبساطة من دون سطحية أو مباشرة... وكاتب الأطفال الناجح في رأيي، هو طفل يكتب للكبار. لم تغادره طفولته مع الأيام، يكتب بروح طفل تدهشه المفردات كافة فالدهشة هي بداية المعرفة، يسكنه قلب طفل، وعقل حكيم، وروح شاب.أطفال الكويت
شاركت سماح أبو بكر وكُرمت في فعاليات عدة عن الأطفال في الكويت، وتقول عن ذلك: «كلما ارتقت الدول كلما كان اهتمامها بالأطفال والنشء كبيراً، فهم من سيرسمون بأناملهم الغضة مستقبلها المشرق بإذن الله، ولمست هذا الاهتمام من خلال مشاركتي في فعاليات متعددة في دولة الكويت الشقيقة، من بينها المهرجان الثقافي للأطفال والناشئة، ومهرجان أجيال المستقبل من خلال نادي القراءة وورش سرد القصص. كذلك إحدى أمتع ورش القراءة التي عشتها ولم تبرحني لقائي بأطفال مدرسة النور للمكفوفين بحولي. كان اللقاء رائعاً، وأدركت أن هؤلاء حباهم الله بعمق البصيرة وإن لم يتمتعوا بنعمة البصر. كذلك لمست اهتمام ثقافة الطفل بالمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بأنشطة الطفل والناشئة، وتشرّفت بتكريمي من الدكتور بدر فيصل الدويش، الأمين العام المساعد لقطاع الثقافة حينها».
ورش القراءة في الكويت تبرز مواهب الطفل مبكراً