مَن منا عاد يحمل قضية؟!
بين فترة وأخرى يقف مَن يعمل في الشأن العام ويتعامل مع الرأي العام، ليتفقد الساحة، ويرى ما يحدث بها من أمور، وكذلك حجم تأثيره أو مساهمته فيها، حتى لا يكون مجرد "أرزقي" يكتب من أجل الراتب آخر الشهر فقط، وحتى لا يكون أيضاً مجرد اسم يملأ صفحات الصحف بحبر كلماته، بلا معنى أو مضمون، ما يجعلها مجرد "شخابيط" على ورق ينتهي على سفرة طعام أو إلى حاوية قمامة (أعزكم الله).بالنسبة لي، وبكل تواضع، كنت أول شخص عارض قانون "البصمة الوراثية"، وبعد صدوره بـ48 ساعة شرحت أسباب عدم دستوريته، وتعارضه مع الحريات الشخصية، وكذلك نشرت عدة مقالات عن الوضع الصحي في الكويت، وعدم قدرة القطاع الصحي على الصمود دون فرض رسوم على الوافدين، كبقية دول العالم، لكن في الوقت نفسه نشرت عدة مقالات ضد التعسف مع الوافدين، ووقف صرف رخص القيادة لهم، وكذلك إجراءات الإبعاد الإداري التي تصدر ضدهم.
ومع كل ذلك، فإنني أرى الساحة اليوم أقل في الحريات وإمكانية طرح المواضيع السياسية والاقتصادية. لم تعد الكويت تلك الساحة الإعلامية المليئة بالحريات والتنوع اللذين عرفتهما في نهاية السبعينيات، وبدأت العمل في وسائلها الإعلامية في ثمانينيات القرن الماضي، فالحريات تقلصت، وأصبحت الخطوط الحمر تلتف حول أصابع كل الصحافيين والكُتاب، والذي ينفي ذلك يضحك على نفسه، أو على جمهوره.فعلياً، التنوع في الكويت اختفى، وأصبح الجميع متشابهين، وكأن هناك "BOSS" واحداً للكل. حالياً السلطة و"الدينار" هما الكلمة الفصل في كل القضايا، ولم تعد هناك حاجة لرقيب وزارة الإعلام الحكومي، فقد أصبح بوسائل الإعلام الكويتية رقباؤها الذاتيون الأشد حزماً وانغلاقاً من الرقيب الحكومي، وكذلك المناصب الرسمية والشعبية، التي أصبحت محسومة لسنوات طويلة مقبلة.في تلك الظروف أصبح المقاتلون عن فكرة أو الحاملون لـ"قضية" في الكويت في مهمة شبه مستحيلة، والمثابرة على الكفاح لغاية وطنية يكون ثمنه فادحاً على أي مناضل أو جماعة ناشطة تحاول القيام بهذه المهام الوطنية، لذا نراقب اختفاء قضايا المال العام الرئيسة، وكذلك الحريات، من وسائل الإعلام، ويُطرح بعضها بشكل انتقائي.