حدد مُعجم «المنجد في اللغة العربية المعاصرة» تعريفاً قاطعاً، وجامعاً، لمصطلح «الاستغلال» حينما وصفه بأنه «استخدام شخص وسيلة لمأرب، أو الاستفادة من طيبة شخص أو جهله أو عجزه، من أجل هضم حقه أو جني ربح غير عادل من خلفه»، وإذا نظرنا إلى ما يحدث في السينما المصرية، منذ قديم الأزل حتى يومنا هذا، نُدرك يقيناً أن «الاستغلال» جزء أصيل من تراث هذه السينما، وهاجس يسيطر على عقلية القيمين عليها، مهما حاول البعض إيهامنا بأن ما يفعله محض «استثمار» وليس «استغلالاً»!تاجرت السينما المصرية بقضايا عدة، مثل: «الإدمان والمخدرات»، «الإرهاب» و{الفساد»، وبدلاً من مواجهة الظواهر، والحد من تفشيها، ساهمت في الترويج لها، وقادت المجتمع إلى نتائج عكسية كارثية. لكن المتاجرة لم تقف عند حد استغلال الظواهر الاجتماعية، بل تجاوزت هذا إلى استغلال الظواهر الفنية، واستهلاكها، ثم الإلقاء بها، بعد استنفادها، في أقرب مقلب نفايات، عُرف مُتبع للسينما المصرية، كما فعلت مع المطرب الشعبي أحمد عدوية وغيره، وتسعى إلى تكراره اليوم مع نجوم «مسرح مصر»، الذين تنظر إليهم شركات الإنتاج بوصفهم «الدجاجة التي تبيض ذهباً»، وبدلاً من أن تصقل مواهبهم، وتهذب طموحاتهم، ألقت بهم في أتون جحيم المنافسة الشرسة، والمواجهات المبكرة، التي افترستهم بتروسها، واستفزت مريديهم، وكادت تُضيع ألق بداياتهم. ففي أعقاب النجاح المدوي للموسمين الأول والثاني لتجربة «تياترو مصر» اختارت شركة «نيوسينشري» الموهوب علي ربيع للمشاركة في بطولة فيلم «كابتن مصر» (2015) فيما راهن المنتج محمد السبكي على الفريق بأكمله في «أوشن 14» (2016)، الذي قام ببطولته: حمدي الميرغني، وعمر مصطفى متولي، ومحمد أسامة، وكريم عفيفي، ومحمد عبد الرحمن، ومحمد أنور، وإبرام سمير، ومصطفى خاطر. ثم عادت «نيوسينشري» لتقديم كل من حمدي الميرغني، ومصطفى خاطر، ومحمد عبد الرحمن، ومحمد أنور في «جحيم في الهند» (2016)، وبدوره راهن المنتج أحمد السبكي على الكوميديان علي ربيع لمشاركة كريم فهمي بطولة فيلم «حسن وبقلظ» (2016)، الذي ضمّ أيضاً نجوم الفرقة: محمد أسامة، ومحمد أنور، ومصطفى خاطر، بينما شارك حمدي الميرغني في بطولة «فص ملح وداخ» (2016).
آخر رهان أو استغلال لظاهرة نجوم «مسرح مصر» تمثل في فيلم «خير وبركة» (2017)، الذي يُعد أسوأ استغلال ومتاجرة رخيصة بهم. الفيلم الذي أنتجه أحمد السبكي، وشارك في كتابته كل من جورج عزمي وشريف نجيب، وأخرجه سامح عبد العزيز، اتسم بالسطحية، ولم يخل من سذاجة، ربما بعدما أشارت العناوين إلى أن كاتب فكرته علي ربيع، الذي يُجسد في الفيلم شخصية «خير» شقيق «بركة» (محمد عبد الرحمن)، اللذان تكمن أزمتهما في البطالة التي تُحيل حياتهما جحيماً، وتنغص صفو علاقتهما وأمهما «فرحانة» (دلال عبد العزيز)، التي تتعرض لمعايرة دائمة من شقيقة زوجها، التي تتباهى بابنها «حسونة»، الذي يهوى التقاط الصور الفوتوغرافية مع الفنانين!ضحالة وعي علي ربيع كانت دافعه إلى كتابة الفكرة السطحية، التي يقرر فيها «خير» و{بركة» دخول حفلة هيفاء وهبي لالتقاط صورة معها تُرضي غرور الأم، وتثأر لها من شقيقة زوجها، وتتعدد المواقف التافهة، التي يكتبها عزمي ونجيب وتتراجع معها قدرات المخرج سامح عبد العزيز، الذي بدا فاقداً السيطرة على عناصر الفيلم كافة، ولم تُفلح محاولات بيومي فؤاد ومحمد ثروت وكريم عفيفي في إنقاذ العمل من الفشل، فيما اتسم «الغرافيك» بالضعف والهزال التقني، والعجز عن توصيل المعنى الدرامي (الزهور التي تنبت في رأس «بركة» في اللحظة الرومانسية)، والمحاكاة الفاشلة لمشهد روميو وجولييت وشخصيتي «مولانا» (أحمد راتب) و{ونيسة» (درة) في فيلم «الأولة في الغرام»، عبر شخصيتي «الكبير» (سيد رجب) وابنته (تارا عماد)!التهريج في صورته المثلى تجسد في فيلم «خير وبركة»، الذي عانى ارتباكاً واضطراباً، وسخرية غليظة، كما في اقتحام الشرطة والمحافظ عزبة «الطغاة»، ومباركة احتفال «الكبير شوقي سفينة» بإيصال «جوال بانجو» إلى كل بيت، والانسحاب بعد تمليكه أرض العزبة. وبانتهاء الفيلم يمكننا أن نضع أيدينا على السؤال الحيوي: كيف تضيع الموهبة؟ ومن يبددها؟ أهو المنتج الذي يتاجر بها أم صاحبها الذي يقتلها بإهماله، وجهله، وإصراره على اللحاق بقطار وهمي يخشى أن يفوته؟ في الحالتين، فإن الإجابة بأيدي علي ربيع ورفاقه نجوم «مسرح مصر»!
توابل - سيما
«خير وبركة»!
09-10-2017