بالطبع ليست مصادفة أن ينتقل "التشرذم"، الذي فرضه الغرب على هذه المنطقة، وخاصة الوطن العربي، بعد مرور قرن كامل على "وعد بلفور" وعلى اتفاقيات "سايكس – بيكو"، إلى أوروبا، فالآن ها هو سيف الانشطارات يضرب على العديد من الدول الأوروبية، وهكذا فإنه غير مستبعد أن تنتقل هذه العدوى إلى الولايات المتحدة، إن لم يكن في هذه الألفية الثالثة ففي الألفية التي تليها... "ومنْ سرَّهُ زمنٌ ساءته أزمان"، والتاريخ لا يرحم، وعندما تضعف قبضة دولة فإنها تصبح فريسةً لأمراضٍ كثيرة، وتصبح هدفاً لكل طامعٍ و"متوسِّعٍ"، والمفترض أن كل معني عليه أن يأخذ العبر من التجارب التاريخية "والسعيد من اتعظ بغيره والشقي من اتعظ بنفسه"!الآن وقد بدأ انحسار الاستعمار الغربي بالطريقة التقليدية – الاحتلالية فإن العديد من الدول التي شكلت الظاهرة الاستعمارية بكل وحشيتها في القرن العشرين وقبله، أصبحت تعاني وباء الانشطار والتشرذم، ولعل ما تعانيه حتى بريطانيا العظمى التي غدت مهددة بأن تصبح ثلاث دولٍ أو أكثر ربما خلال سنوات النصف الأول من هذا القرن، ستعاني منه دول أخرى كانت تشكل الوحوش التي افترست العديد من دول ما يدعى العالم الثالث، وهذا إن ليس دول هذا العالم كله.
الآن وبينما لا تزال إسبانيا دولة استعمارية تحتل مدينتين مغربيتين هما "سبتة" و"مليلة"، فقد غدت مهددة بانفصال "كتالونيا" التي تعتبر أهم أقاليمها، والتي لها امتداد بنزعة استقلالية ضاغطة داخل فرنسا، التي تعاني هي بدورها من أوجاع كثيرة في هذا المجال، والمعروف أن معظم دول الاتحاد الأوروبي، الذي غادرته بريطانيا، "مكتفية من الغنيمة بالإياب" تعاني هذه الأوجاع الانقسامية والانشطارية، وبما في ذلك الدول الاسكندنافية، وبعض دول ما كان يسمى دول أوروبا الشرقية التي كانت جزءاً من المنظومة الاشتراكية.والمعروف أن إخوتنا الأكراد أو "الكرد" لجأوا إلى القفزة "الاستفتائية" غير الموفقة التي ثبت أنها لم تُدرس الدراسة اللازمة الكافية، وحيث عارضتها معظم دول العالم، باستثناء إسرائيل، بما فيها الولايات المتحدة وروسيا وكل الدول الأوروبية الفاعلة، في الوقت الذي تفاقمت مشكلة "كتالونيا"، وازدادت القناعات بأن سورية ذاهبة إلى التقسيم، وكذلك ليبيا التي كانت قد توسعت اسمياً عندما أصبح اسمها في عهد معمر القذافي: الجماهيرية الليبية العربية الاشتراكية العظمى، والتي كانت سعت لضم أجزاء من تشاد ومن تونس وبعض جزر المتوسط المجاورة.وهكذا يجب أن يكون معروفاً أن شعار "أمة عربية واحدة... ذات رسالة خالدة"، الذي تغنى بعضنا به، وأنا من بين هؤلاء لم يعُد تطبيقه ممكناً بطريقة ما فهمناه في القرن الماضي قرن الأحلام الوردية والأحلام الكبيرة والتطلعات البعيدة، وأن ما نحن بحاجة إليه هو "كومون ويلث" جديد تستفيد منه الدول الغنية والفقيرة على حد سواء، وهنا فإن المؤكد أنه لو أن "جامعتنا" قد تأسست على هذا الأساس وبصدق وقناعة وانطلاقاً من استفادة الجميع الأغنياء والفقراء لكان للعرب الآن مكانهم تحت الشمس بدل هذه الحالة البائسة التي أقل ما يمكن أن يقال فيها إنها "مهركلة"!
أخر كلام
«قرن التشظّي والانشطار»!
09-10-2017