على ميركل أن تحذو حذو ماكرون في الشأن الأوروبي
يتحدى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الشعبويين، مقدّماً رؤية جريئة عن مستقبل أوروبا، وعلى ألمانيا أن تحذو حذوه.تلطخت صورة ميركل كقائدة للعالم الحر بعدما اتضح أنها عاجزة عن منع الشعبويين اليمينيين من الحصول على عدد كبير من المقاعد في البرلمان الألماني البوندستاغ، وها هو الرئيس الفرنسي اليوم يمتحن مكانة المستشارة بصفتها قائد أوروبا بدون منازع، فبعد يومين من الانتخابات تحدى ماكرون ميركل بخطاب ثوري قدّم فيه بديلاً واضحاً لمقاربة "انتظروا لتروا" التي تعتمدها ميركل.واجه ماكرون الانتقادات لأنه أدلى بخطابه هذا في وقت غير مناسب تعجز فيه ألمانيا عن الكلام وميركل عن الرد، لكن هذه تفاهات، فقد كان توقيت الخطاب ممتازاً، بما أنه جاء في مرحلة انتقالية بين حكومتَين، وهكذا ذكّر ماكرون ميركل بالمهم حقاً في مفاوضات ائتلافها المقبلة: ولادة الاتحاد الأوروبي السياسية من جديد، ونتيجة لذلك ما عاد ممكناً في اتفاق الائتلاف الجديد الاكتفاء بفيض من العبارات الفارغة حول الشأن الأوروبي.
في الوقت عينه طوّر ماكرون نموذجاً للتعاطي مع الشعبويين اليمينيين، فقدّم رداً جريئاً على وجهة نظرهم عن العالم، رداً لا يبدو يائساً أو خجولاً البتة، كما درجت العادة سابقاً، فلطالما دفعت الخطابات المستهلكة، والبرامج المألوفة، والاغتياب البشع الناس إلى الاعتقاد أن الفساد قد طال بروكسل، لكننا نرى اليوم قائداً أوروبياً يتحدث بجرأة عن أوروبا، ولا يحاول هذا القائد تعليل قيام الاتحاد الأوروبي بالاستناد إلى تاريخ القارة المريع فحسب، على العكس ينظر أيضاً بحماسة إلى المستقبل. على غرار كل رؤية تحمل رؤية ماكرون نوعاً من البساطة بالتأكيد، ولا شك أن الكثير من أفكاره مضخّم، ويتطلب تطبيق الجزء الأكبر منها وقتاً طويلاً، في حين أن بعضها لن يبصر النور مطلقاً، لكن هذا ليس المهم، يبقى الأهم في الوقت الراهن تفادي التراجع في المواجهة أمام الشعبويين اليمينيين في شتى المجالات، من الطموحات والمشاعر إلى المناظرات. "لا تخافوا!": هذه كانت رسالة ماكرون الأساسية، وجّهها إلى ميركل والألمان، وخصوصاً ضعاف القلوب وكل مَن صوتوا للشعبويين اليمينيين، كذلك وجهها إلى داعميه، حاضاً إياهم على عدم تفادي هذه المناظرة.لا شك أن خوض هذه المناظرة يستحق العناء، إذ تبدّل موقف ألمانيا من أوروبا، وأصبح أكثر إيجابية بالتأكيد، وبما أن الاتحاد الأوروبي يواجه اليوم عقبات صعبة، فقد بدأ كثيرون يدركون على ما يبدو مدى أهميته، وقلما كان تأييد الاتحاد الأوروبي والعملة الموحدة عالياً بقدر ما هو عليه اليوم. ويشكّل هذا سبباً إضافياً يُظهر أن ميركل ما عادت تستطيع الاختباء وراء الحزب الديمقراطي الحر، في حال شاركته في الحكم، وما عادت قادرة على استغلال رفض هذا الحزب الوحدة الأوروبية كحجة لمعارضة ماكرون. لم تكن ميركل يوماً مؤيداً قوياً للوحدة الأوروبية، إلا أنها لم تشأ أيضاً أن تصبح المسؤولة عن انهيار أوروبا، ومن هنا جاء قرارها إنقاذ اليونان بعد تداول مطوّل.علاوة على ذلك أدركت ميركل قبل نظرائها أن سياسات الدولة-الأمة ما عادت ناجحة، ونبعت جهودها لتشكيل ائتلافات عبر الحدود من خبرتها التي علّمتها أن القضايا الكبيرة، من الهجرة والتبدل المناخي إلى الأسواق المالية، لا تُحل إلا على صعيد دولي أو أوروبي على الأقل. ربما يرغب ماكرون في تحدي هيمنة ميركل في أوروبا، إلا أنه يشكّل في الواقع مكملاً مثالياً لها، ويمتلك المواهب التي تفتقر إليها بالتحديد: الرؤية، والفصاحة، والخطاب، وفي المقابل تتمتع هي بما ينقصه: الرصانة، والخبرة، والغنى؛ لذلك قد يشكلان ثنائياً منسجماً تماماً.* كريستيان هوفمان* «شبيغل»