يظهر في إحدى الصور شاب مستدير يحمل سكيناً كبيرة، وإلى جانبه كُتبت بأحرف بيضاء بارزة العبارة الإيطالية Devi combatterli (عليك محاربتهم). تشكّل هذه الصورة المركبة، التي انتشرت في أواخر أغسطس على "تيليغرام" وهو تطبيق التواصل المفضل لدى "داعش"، حضاً صريحاً للعملاء المنفردين على قتل الإيطاليين، وأُعيد نشرها على الموقع الإلكترونية لمجموعة سايت للاستخبارات، التي تراقب اتصالات المجاهدين، بعد أيام من عرض شريط مصور لميليشيات مقنعة تابعة لـ"داعش" في الفلبين، وهي تخرّب كنيسة كاثوليكية رومانية وتمزّق صورة للبابا فرنسيس.يقول رجل مقنّع وهو يلوّح بإصبعه أمام الكاميرا: "أنت! أيها الكافر، تذكّر هذا! سنصل إلى روما إن شاء الله". قد يبدو هذا التهديد من بعد 10 آلاف كيلومتر خيالياً، لكن ميل المجاهدين إلى توجيه اعتداءات ضد مركز المسيحية الغربية ليس كذلك بالتأكيد، لذلك من المذهل ألا تتعرض إيطاليا لأي اعتداء جهادي مميت، في حين أن بريطانيا، وفرنسا، وألمانيا استُهدفت كلها، وخصوصاً أن هذا يقوّض فكرة وجود رابط بين الهجرة غير المشروعة والإرهاب (في النصف الأول من عام 2017 اعتُبرت إيطاليا مسؤولة عن 82% من الوافدين غير الشرعيين إلى أوروبا).
يشير التفسير الأكثر احتمالاً لاستثناء إيطاليا إلى أن المافيا الإيطالية منعت بهدوء المجاهدين من توسيع نفوذهم، لكن ما يناقض هذا الطرح، وفق أرتورو فارفيلي من معهد الدراسات السياسات الدولية في ميلانو (مؤسسة فكرية)، واقع أن العصابات الإيطالية تتمتع بالسيطرة الكبرى في الجنوب، في حين أن غالبية مسلميها يعيشون في الشمال.ولكن يقر عملاء تطبيق القانون الإيطاليون صراحةً أنهم يواجهون عدداً أقل من المشتبه فيهم الذين يُضطرون إلى مراقبتهم، مقارنة بنظرائهم الفرنسيين والبريطانيين، ويعود ذلك في جزء منه إلى ترحيل عدد كبير منهم، ويقدّم عدد "محاربي داعش الأجانب" من كل دولة أوروبية صورةً عن مدى انتشار الأصولية، وكشفت دراسة أعدها المكتب الوطني الأميركي للأبحاث الاقتصادية بالاستناد إلى أرقام عامَي 2014 و2015 أن 87 مقاتلاً أجنبياً فقط قدِموا من إيطاليا، مقارنة بـ760 من بريطانيا ونحو 2500 من فرنسا (علماً أن لهذه الدول الثلاث عدد سكان متشابهاً). ويعزو فارفيلي ذلك إلى سببين: أولاً، ينتمي عدد قليل من المهاجرين المسلمين في إيطاليا إلى الجيل الثاني، الذي يُعتبر الأكثر عرضة للأصولية (يُصنّف 0.3% من سكان إيطاليا من المهاجرين من أصول غير أوروبية من الجيل الثاني، مقابل 3% في بريطانيا و3.9% في فرنسا). ثانياً، لا تضم إيطاليا أحياء فقيرة يتجمّع فيها المسلمون مثل الضواحي الفرنسية.يشير ميشال غروبي، أستاذ في أكاديمية الدفاع في المملكة المتحدة، إلى عامل مهم ثالث: تُظهر الأدلة أن تنظيم "داعش"، عندما كان القوة المسيطرة على العالم الجهادي، استعمل إيطاليا كقاعدة لوجستية له في أوروبا، ويضيف: "هذا ما أبقانا في أمان. يحتاجون إلينا"، لكن الوضع تبدّل منذ ذلك الحين: ارتبط عدد من المجاهدين الذين ذاع صيتهم في الآونة الأخيرة بإيطاليا، منهم يوسف زغبة، إيطالي من أصول مغربية وأحد الإرهابيين الثلاثة الذين استخدموا شاحنة وبعض السكاكين لقتل ثمانية أشخاص على جسر لندن وفي محيطه في الثالث من يونيو، ويعرب غروبي عن قلقه من أن تتحول إيطاليا والفاتيكان إلى هدف رئيس، إذا أصبحت ليبيا مسرح التمرد الجهادي التالي.
مقالات
لمَ لم تواجه إيطاليا بعد الإرهاب الإسلامي؟
10-10-2017