لماذا لا جديد تحت الشمس؟
يتساءل صديق: أين الجديد في الحفلات الوطنية؟ لماذا لا يوجد جديد؟ لا نملك غير "أوبريت السندباد"؛ نعيده ونكرره بتغيير الشكل والديكور، لكن المضمون واحد، فتطلب من الرائع شادي الخليج أن يساهم به رغم وضعه الصحي، فنعيد الأوبريت القديم في دار الأوبرا الجديدة، بتجديد "شكلي" في الصورة دون المضمون، ففي النهاية لا يوجد غير عبدالعزيز مفرج واحد، وغنام الديكان واحد، وكلمات واحدة للراحل محمد الفايز... لماذا لا تبدع هذه الأرض الجديد؟ لماذا لا تثور وتعطي روحاً وفناً مختلفين؟ لماذا لا تخلق وتتغير وتتبدل؟!الجمود ليس قاصراً على استعراضات الاحتفالات الرسمية، الحالة "الرسمية" ذاتها جامدة متحجرة، ترفض الجديد، وتتمسك بالقديم، وتعاند التغيير والتجديد، في مجلس الوزراء، الوزراء يتغيرون ويتبدلون إذا كانوا من غير الأسرة الحاكمة في الأغلب، أسماؤهم تتغير، إلا أن الفكر والنهج للوزراء على حاله القديم، لماذا؟ لأنه يتم اختيارهم من القدر القديم ذاته؛ هذا نعرفه، وهذا محسوب على رئيس البرلمان أو الشيخ الفلاني، أو على كتلة برلمانية معينة، فيتم اللصق والترقيع في التشكيل الوزاري، وليس مهماً الإبداع والجدارة والحاجات الحقيقية للمرحلة الزمنية الحاضرة، المهم الإرضاء والاسترضاء السياسي، ولو على حساب الزمن، وحساب التحديات الخطيرة التي يفرضها الواقع المتجدد أبداً، ومثل حكم الوزير يكون الأمر في المناصب القيادية.ويحدث أحياناً أن يأتي وزير أو قيادي يحاول أن يجدد، والتجديد هنا يعني أن يصلح، وأن يغير، كأن يحاول محاربة غيلان الفساد وخلايا البيروقراطية السرطانية في الدولة، فتتصدى له "الدولة العميقة" فوراً، وهي إما أن تكون ممثلة معه في مجلس الوزراء ذاته، وإما أن تكون منتشرة بشكل وبائي في الجسد الوظيفي الإداري بكامله، من أعلى درجات السلم وللأسفل، رشا، تهاون، اتكالية، محسوبيات... إلخ، كلها مرتبطة بنسيج عنكبوتي متمدد بطول وعرض الدولة، تجعل الوزير أو القيادي الذي يحاول الإصلاح مثل الذي ينفخ في قربة مقطوعة، مثل حالنا حين نؤذن في مالطة، أو في خرابة... والنهاية معروفة، لا جديد، ويظل القديم الهرم باقياً متسيداً للنهاية.
في مجلس النواب، الأمر لا يختلف كثيراً، فأي محاولة للتجديد، ولتطوير وتعميق الديمقراطية، يتم التصدي لها حالاً، يبطل المجلس مرة ومرتين، أو يحل، أو يتغير نظام التصويت... المهم أن تبقى الأمور تحت السيطرة، ولا تخرج عن نطاقها القديم.الجمود ورفض التغيير ومحاربة التجديد ليست قاصرة علينا، فمعظم الأنظمة العربية رفضت الإصلاح، وعاندت حركة الزمن، فحدث الربيع العربي في بعض الأقطار، فتحركت قوى الثبات والجمود لقمعه بقوة المال طبعاً، وعدنا للخانة القديمة، بترويج وهم "ليس بالإمكان أفضل مما كان"، وهي خرافة يتم الترويج لها من الأنظمة الحاكمة وكأنها حقيقة علمية... فهم في النهاية لا يريدون شعوباً رافضة متجددة في تطلعاتها وآمالها، يريدون قطيعاً من الأغنام يسوقونها للمذبح متى شاؤوا. لا جديد تحت الشمس، واجترار القديم إلى ما لا نهاية، لا يعني غير الثبات، والثبات يعني الجمود، والجمود هو الموت، هي الجثث الميتة وحدها التي لا تتحرك ولا تتفاعل مع الحياة، هي تتحلل وتنتهي ترابا.