قدّمت في معرضك الأخير «حب» قراءة بصرية لقصيدة «الجوع والقمر» للشاعر الراحل محمد عفيفي مطر، وقصيدة «السجين» لبدر شاكر السياب، فماذا عن هذه التجربة؟قرأت كتباً عدة للشاعر محمد عفيفي مطر من بينها «أوائل زيارات الدهشة - هوامش التكوين»، وهو سيرة ذاتية أدهشتني. وعفيفي شاعر مهم يجيد استخدام الرمز، وتميز بشعرية ضدّ السائد أياً كان هذا السائد، بمعنى أنه غرد خارج السرب، وامتزج شعره بعجين الثقافة المصرية، فكان يتماهى في جوهر كل ما هو إنساني، ممثلاً لغة الوجود الإنساني المتعين في ذلك الزمان باعتبار الأخير صيرورة الإنسان في عين المكان.
اشتغلت على أول مطلع من قصيدة «الجوع والقمر» ويقول: «هبت هياكلهم من الأرض البوار عظماً رمادياً بقايا من كفن، فالجوع مد أصابع النيران حبلا في النحور»، واستخدمت خامة الإكريليك. ونفذت كتاباً للقصيدة نفسها مزجت فيه بين الرسم والخط واللون محاولاً الغوص أكثر في المعاني. أما العمل الثاني فهو قصيدة «السجين» للعراقي بدر شاكر السياب حيث ترجمت إحساسي بالمعاني والدلالات، خصوصاً «أنا هنا وجهي بلون الطمي والغلال وأعيش في الريف وأعشق الحديث عن مفاتن الجبال وأعشق الشعر وأعشق الحديث عن صلابة الرجال والنيل صب في دمي تمرد الخيال».
حب
ما هو الإطار العام الذي يتناوله معرضك الأخير؟المعرض كان عموماً عن الحب، قدمت 14 عملاً من الإكريليك، مزجت فيها بين فن الرسم أحادي أو ثنائي اللون وبين اللون نفسه، تاركاً الخطوط الأساسية للأعمال على طبيعتها وعفويتها، واستخدمت بعض النصوص للشاعر محمود درويش مثل «أنتظرها»، و«في الانتظار» وغيرها الكثير، لأني أرى أن الحضارات كافة مزجت بين الرسم والخط والزخرفة والنصوص في عمل واحد، فلم أجد مانعاً من استلهام ذلك من التراث المصري القديم.يغلب على أعمالك الحس الشعبي، فما السبب؟أعيد صياغة العناصر بما يتناسب مع رؤيتي بمنتهى البساطة والتلقائية، وأتذكر مرور فترة كبيرة من حياتي كانت تلازمني أوراقي وأقلامي في كل مكان سواء في وسائل المواصلات أو المقهى، إلخ. كنت أحاول تسجيل المشاهد مهتماً بالتفاصيل، ولكن بعد فترة أدركت أن المشهد تكفيني منه الفكرة العامة ثم أعود إلى مرسمي بمدينة كفر الشيخ، وأحاول إعادة صياغة كل ما لفت انتباهي من خلال مخزوني البصري طيلة اليوم، فأجد المشهد قد اختمر، وتمت تصفيته من الشوائب والتفاصيل كافة التي ليس لوجودها داع، وأخرج وأمشي في الشوارع كالقناص غالباً، مستمعاً إلى حكايات الناس تارة، ومنتقلاً معهم في المواصلات طوراً، لذلك تظهر البيئة المصرية مسيطرة على أعمالي بهمومها وأحلامها ومفرداتها المختلفة.أبطال لوحاتي
هل ثمة أولوية لأحد مكونات اللوحة على الآخر لديك سواء من ناحية الموضوع، أو الشكل؟نعم ثمة أولوية في اللوحة، كما هي في الحياة. ثمة أبطال وأدوار ثانوية وأدوار أقل وصولاً إلى الخلفية. أبحث غالباً عن الأبطال وأضع لهم الأهمية حتى وإن تمثّلت في خط فحسب، وأهتم بالفكرة كثيراً، فإذا اتضحت رفعت يدي من العمل تماماً. أما الموضوع فهو كل ما يشغلني ويشغل مجتمعي من أمور سياسية أو اقتصادية أو حياتية أو حتى على سبيل السخرية، فما دام الأمر أصبح هماً يشغلني أترجم ذلك إلى مشروع فني، وأهتم بالخط الخارجي للشكل وكثيراً أتركه كما هو، إذ أراه أصدق في التعبير.للمرأة حضور قوي في الكثير من أعمالك، فهل هو انحياز لها؟المرأة هي أصل الحياة وبدايتها ومن دونها تنعدم الحياة. منذ بداية الخلق لم يخلق الله آدم بمفرده بل خلق له شريكة وحبيبة وونيسة له في وحشته، لتقوم الحياة عليهما معاً وليست لطرف من دون الآخر، وهي الأم والأخت والصديقة والحبيبة والعاشقة والملهمة، ولا يوجد فن إلا وكان للمرأة دور فيه، فهي الملهمة في حركاتها وسكناتها وطفولتها وبراءتها.كيف تنظر إلى علاقة المتلقي بأعمالك؟الفن الذي يستحوذ على الجمهور يخاطبه بسهولة متحدثاً إلى وجدانه، ماساً همومه وأحلامه من دون تعال في الطرح، وأنا أفعل ذلك. أجد أن الفن في البساطة ولا داعي للتعالي، وأرى أن إعراض الجمهور عن الفن ليس سببه قلة الثقافة على العكس، فالجمهور واع، ولكن يغيب ما يثيره ويمس همومه وأحلامه وقضاياه.نحت جديد
ينشغل الفنان محمد عبد الهادي راهناً بمشروعه النحتي الجديد الذي يقول عنه: «بدأت أول تجربة منه العام الماضي بعمل واحد «بوليستر» نحت ملون بعنوان «التوصيلة»، وأعود في هذا المشروع إلى نحت ما يُسمى بالمجموعة، فالنحت عندي ليس مفرداً، والمتأمل في مجموعات «القرابين والمراكب» وغيرها لدى المصري القديم سيجد المجموعات والعلاقات في أبهى وأجمل صورة، وحالياً أستكمل المشروع مع تعديلات كثيرة في الخامة، وأقوم بسباكة الأعمال بالبرونز، والتوصيلة هي حب في وسيلة مواصلات من بينها المركب، والتوكتوك، والدراجتان الهوائية والنارية، والطائرة وغيرها. أنجزت نصف المشروع وما زلت أستكمله، متمنياً أن أعرضه هذا العام».