مركز البحوث والدراسات الكويتية
ليس عليك سوى الالتفات إلى الضفة الأخرى، لترى مُغايراً يبعث الأمل في قلبك. هذا ما دار ببالي وأنا أغادر مبنى مركز البحوث والدراسات الكويتية بمنطقة شرق، إحدى أقدم ثلاث مناطق في الكويت، مع منطقتي القبلة والمرقاب.أنشئ المركز بمرسوم أميري رقم 178 لسنة 1992، وبقي لفترة من الزمن في مقره القديم، لحين تجهيز مبنى عصري شامخ يليق بمهام وهمة وأعمال وجهد وعطاء المركز. وهنا لابد من القول إن وجود شخص شغوف بالعلم والبحث والمعرفة، وقلبه معلَّق بحب الكويت وتاريخها وتراثها وأهلها، وأعني بذلك د. عبدالله الغنيم، طبع عمل وعطاء المركز بصبغة مغايرة، صبغة أقل ما يمكن أن يُقال عنها إنها جادة ومخلصة، وتعمل بصمت العلماء.زرت خلال الأسبوع الماضي المركز، وفوجئت فرِحاً بما شاهدت: المبنى، والتقسيم المعماري، والمكتبة، وقسم صيانة وحفظ الوثائق، ومتحف المركز، والمسرح، وأخيراً همة شباب الكويت المخلص، ومعهم مجموعة من الأساتذة الباحثين، وهم يعملون بجد ومثابرة في التنقيب عن تاريخ وتراث بلدهم، وعلاقاته بالمحيط الخليجي والعربي والعالمي، ومن ثم الحصول على وثائق تاريخية، للبدء بعملية تعقيمها، بوصفها مادة أرشيفية، تمهيداً لحفظها، وفق خطوات مدروسة ودقيقة، وخاصة أن التعقيم والتنظيف يتمان بصورة يدوية يقوم بهما متخصصون وفق أحدث المعايير المتعبة والمواد المستخدمة في أهم وأرقى مراكز حفظ التراث في العالم.
جاء في أهداف إنشاء المركز: "إعداد البحوث والدراسات المتعلقة بتاريخ الكويت، ونشر هذه البحوث والدراسات؛ محليا وخارجيا، للإفادة من نتائجها؛ علميا وإعلاميا وحضاريا"، وهذا ما يمكن أن تترجمه مجلة "رسالة الكويت"، التي تصدر بانتظام من المركز، حاملة الكثير من خبايا تاريخ الكويت، وبما يُقيم جسراً مع أبناء الكويت، وخاصة من الأجيال الناشئة. لفت انتباهي كثيراً قسم خاص بالترميم والحفظ، وهو قسم يقوم باستقبال وفحص وترميم وصيانة وحفظ وثائق تخص التاريخ السياسي والاقتصادي والاجتماعي للكويت. وهذا القسم تحت إشراف د. عبدالله الغنيم، وتحرك عوالمه وتديره الأستاذة شيخة سعيدان، وهي وجه مشروق من وجوه أبناء الكويت الشباب المخلصين، حيث عملها الدؤوب في البحث والتنقيب، ومن ثم حفظ المادة الأرشيفية، وتحويلها إلى صور الكترونية، علماً بأن جزءاً كبيراً من الوثائق ما كان يمكن الوصول إليها، لولا أرشيف بعض العوائل الكويتية الكريمة، التي كان لها حضور وفعل كبيران على الساحة الفكرية والاجتماعية الاقتصادية الكويتية خلال القرون والعقود الماضية، وكان لها في المقابل أرشيف منظم ومكتوب يخصّها، حتى إن هذا القسم صار يحوي اليوم ما يزيد على عشرين مليون مادة أرشيفية عن الكويت، بما في ذلك إنجازه لوثائق تخص: الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية، وثائق العدوان العراقي، وثائق لمكتبة الكويت الوطنية، وثائق أسرة الخالد، وثائق أسرة النصف، وغيرها. إن هذه الوثائق تأخذ دورتها في الوصول إلى المركز، ومن ثم تعقيمها، قبل البدء بتنظيفها، وترميمها، وأخيراً حفظها. والمركز في كل ذلك مدَّ ويمدّ جسوراً من الوصل مع العوائل الكويتية، ومع كل مؤرخ أو باحث أو دارس مهتم بالتراث الكويتي.مركز البحوث والدراسات الكويتية، لا يكتفي بأن يكون الحافظ الأمين لأجزاء كبيرة ومهمة من تاريخ الكويت، لكنه إلى جانب ذلك يعمل بجد وبشكل دائم على إصدار مراجع وكتب متنوعة تعنى بتاريخ الكويت والمنطقة، وفي مختلف شؤون الحياة. حتى إن زائر المركز، وما إن يخطو داخلاً إلى مبنى المركز، حتى تفاجئه مكتبة عامرة بإصدارات المركز، وكأنها تحية ناطقة تقدّم صورة لروح المركز بشكل عملي طيب.مركز البحوث والدراسات الكويتية، بؤرة إشراق كويتية نعتز ونفخر بها.