حلَّ الفنان القدير شادي الخليج ضيفا على "حوار الاثنين"، الذي ينظمه مركز جابر الأحمد الثقافي (دار الأوبرا)، في أمسية استثنائية بعنوان "بين ماضي وحاضر الفن الكويتي"، تحدث صوت الوطن الفنان عبدالعزيز المفرج في لقاء قدمه وأداره د. عباس الحداد.

استهل د. عباس الحداد مقدما الفنان عبدالعزيز المفرج، قائلا إن "الحديث عن شادي الكويت، هو حديث عن الكويت. عندما نسمع صوته، فإننا نسمع صوت الكويت تشدو، ولا أدل على قولي هذا من أغانيه التي قدمها للمقاومة الشعبية أثناء الغزو والاحتلال عام 1990، فقد كانت أغانيه طاقة للصراع والبقاء والمواجهة، سواء لمن كان داخل الكويت أو خارجها، فصوته يحمل الأمل والغد الجميل الذي نحلم به، ومازلنا بالحلم نعيش. لقد خلق فينا بُعدا آخر من أبعاد الوطنية في أغانيه".

Ad

«مذكرات بدوي»

من جانبه، رحب الفنان شادي الخليج بالحضور، وأعرب عن سعادته، بالتواجد في هذه الفعالية، وقال: "أرحب بكل مَن هو حاضر، وأخص بالذكر د. دلال الزبن، حرم الشاعر الراحل أحمد العدواني، وأردت أن أبشرها، حيث هاتفتها قبل أيام استأذنها في الحصول على كلام للشاعر العدواني، رحمة الله عليه، وهو "من مذكرات بدوي"، حيث يبدأ فيه بـ (كنت هنا وكان لي بيت من الشعر نسجته صنع يدي بالصوف والوبر) إلى بقية القصيدة، والتي سيلحنها أنور عبدالله، لتصبح ثيمة أصيلة لكل ما يتعلق بالبادية والصحراء".

وأضاف: "شرعت مع أنور عبدالله في جلسات العمل، لإنجاز جميع اللوحات، وأيضا شرعنا في الاتصال ببعض الشخصيات، لنسألهم عن بعض الطقوس، لنصل إلى بعض المعلومات، لأهميتها الدقيقة، لنستمر في هذا العمل، الذي كُلفنا به من وزارة الإعلام، ليُقدم خلال الأعياد الوطنية".

واستطرد الفنان في سياق آخر، حيث رجع بالذاكرة إلى الفترة التي أعقبت انتهائه من دراسته، من ثم عودته للكويت: "عام 1961 جاء إلى القاهرة الراحل خالد المسعود، واختطف رفيق الدرب محمد السنعوسي، حيث كانت بداية تأسيس تلفزيون الكويت، وخلال هذا العام حرص المسعود على التواصل مع كبار الموسيقيين في مصر: محمد عبدالوهاب، رياض السنباطي ومحمود الشريف".

وتابع: "كنت حينها صغير السن، وسط هؤلاء العمالقة. كنت التقيهم، وأجلس معهم في منازلهم، وأستمع إلى ألحانهم، وأحفظها، ويرافقوني في الاستديو، لإجراء التسجيل اللازم، ما يدل على الاهتمام غير العادي للدفع بشاب صغير وسط هؤلاء الكبار، وبالفعل صوَّرت أحد هذه الأعمال في التلفزيون المصري، وعرض بالتلفزيون الكويتي، لكن مع الأسف لا يوجد في أرشيف التلفزيون الكويتي من هذه الأعمال إلا أغنية واحدة للموسيقار الموجي (أتيت أهني)، وهناك في "يوتيوب" أغنية "يا شباب الكويت"، التي غنيتها من ألحان محمد عبدالوهاب، ومن كلمات أحمد خميس".

وأضاف شادي الخليج: "لم نجد شيئا للفنان محمود الشريف سوى الأوبريت الذي قدمه مع الملحن رياض السنباطي، واشترك فيه مجموعة من المطربين والمطربات، كنت أحدهم، وأتمنى يوما أن تفرز وزارة الإعلام الأرشيف وترممه، لنعثر على العديد من هذه المواد، أو نبحث عنها في بعض الجهات الرسمية، أو عند بعض الهواة، حتى نسترجع بعض هذه الأغنيات المهمة".

عضو فني

وأكد الفنان عبدالعزيز المفرج، أنه استمر في تقديم مجموعة من الأنشطة في بيت الكويت مع الفرقة الموسيقية وفي رابطة الأدباء الكويتيين، وأوضح: "قدمنا مجموعة من أنشطة الرابطة في مصر، وعقب تخرجي عدت للكويت، حينها كان خالد المسعود وزيرا للتربية، واتفق معي على إنشاء إدارة التربية الموسيقية، على غرار إدارة التربية البدنية، وكنت أعمل حينها موظفا مساعدا للراحل أحمد باقر بمركز الفنون الشعبية، ونقل ملفي من وزارة الشؤون إلى التربية، وفي عام 1967 تغيَّرت الأمور في الانتخابات، وخرج المسعود من وزارة التربية، وظل ملفي تائها في الوزارة، ولا أعرف أين ذهب".

وزاد: "في أحد الأيام، ولحاجتي لأمر يتعلق بجمعية الفنانين، ذهبت للقاء سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء حينها الشيخ جابر الأحمد، رحمة الله عليه، فسألني عن عملي حاليا، فصارحته بحقيقة واقعي، بأن الدولة أرسلتني لدراسة الموسيقى، كأول طالب كويتي يدرس هذا المجال في مصر، وسألني أين تداوم؟ فشرحت له".

وقال: "بعد أن خرجت من مقر رئاسة الوزراء وقصدت وزارة التربية سأل عني الوزير، وكان حينها صالح عبدالملك، وعندما التقيته قال لي: كنت أستاذك وناظرك سنوات لأصل لهذا الموقع، فشرحت له أن كل ما أريده أن أعين كموظف عادي، وتحديدا عضو فني، حيث عرفت عقب ذلك أن رئيس الوزراء هاتف وزير التربية، وفي نهاية جلستي مع الوزير أصدر قراره، بتعييني عضوا فنيا، وبدأت أثبت وجودي، وبأقل من عام رحل الموجه، وصدر قرار لأعمل موجها".

واستطرد: "خرجت حينها من مبنى وزارة التربية في المرقاب، قاصدا مدرسة عائشة، التي أصبحت حاليا خرابة، وبعد نقاش مع مديرتها نورة بوعلوة، استطعت الحصول على قرار بإخلاء المدرسة، وتخصيصها للتوجيه الفني".

واستغرب المفرج تحوُّل مبنى المدرسة إلى خرابة، لاسيما أنه تم نهبه، متمنيا أن يهتم المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بالمبنى، مشيرا إلى أنه مستعد للعمل "ناطورا" بالمدرسة، في حال ترميمها دون أي مقابل.

أطفال الكويت

وعرج شادي الخليج بالحديث على تغيير مناهج التربية، من حيث رياض الأطفال والابتدائي ومعهد المعلمين، وقال: "شرعنا في اجتماعات متواصلة كموجهين إلى أن أوجدنا منهاجا للتربية الموسيقية مازال قائما إلى الآن لم يتغير إلا من بعض المحاولات تسببت في تشويهه، وبدأ حينها النشاط الموسيقي في مختلف مراحل المدارس، وبنهاية العام الدراسي نطرح مقطوعة مقررة في الروضة والابتدائي والمتوسط والثانوي".

وأوضح أنه "كانت هناك لجان تطلع على هذه الأنشطة، وتختار الأول والثاني، فتأخذ هذه الأعمال بحفل يحضره الوزير، وفي أحد عروض رياض الأطفال قُدم شيء لا يوصف، وكان الوزير حينها د. عبدالله الغنيم، حيث دعا سمو الشيخ صباح الأحمد حينها، ولفيفا من الوزراء في روضة بيان، ليشاهدوا أطفال الكويت وهم يعزفون أرقى الموسيقات والغناء أيضا".

وتطرق المفرج إلى دور التلفزيون خلال تلك الفترة في دعم النشاط الموسيقي، وقال: "السنعوسي أوجد برنامج (توم تك والأطفال) ومنحني سيارتين؛ الأولى في التوجيه، والثانية في المعاهد الخاصة، لمسح المدارس التي حازت درجة امتياز في كل المراحل، لنصور أعمالهم، وكان وقت إذاعة هذا البرنامج يلقى اهتمام جميع الأهالي في الكويت كلها".

واستذكر شادي الخليج أحد المواقف التي مرَّت عليه، لاسيما مع المايسترو محمد باقر: "كنا بصدد اختبار (ريسايتل)، ووجدته متأخرا، وعندما سألته، قال لي إنه كان بصدد لعب مباراة كرة يد، وتأخر، وحينها وضعته أمام اختيار؛ إما كرة اليد، أو الموسيقى، فاختار الثانية، ليصبح مستقبلا مايسترو متخصصا".

«ماكو شيء ينقط»

كشف الفنان شادي الخليج أن شعاره في الحياة «ماكو شيء ينقط»: «بمعنى إن خربت آلات موسيقية، فيجب إصلاحها، لذلك أسست قسما لإصلاح الآلات، وفي أحد الأيام اتصل بي مسؤول في الوزارة، بأن هناك شكوى عليّ من بعض التجار، لأنني أصلح الآلات، وبالتالي لا نشتري أخرى جديدة، وطلب مني عدم إصلاحها، فرفضت هذا الأمر، بل قررت تصنيع بعض الآلات أيضا، ووصلنا إلى مرحلة أن أغلب الآلات التي كانت تستخدم في الأوبريات من صناعة قسم صناعة الآلات».

وتوقف شادي الخليج عند محطة أخرى، وهي التعليم الخاص: «التعليم الخاص كان يعاني عجزا كبيرا جدا في المدرسات، ولا يملكون القدرة على التعاقد مع مدرسات من مصر، لعدم وجود سكن خاص مثل التربية، والمدرسة التي لا تلتزم بمنهج التربية يكتب عنها الموجه تقريرا. حينها نظمنا للمدرسات اللاتي كان لديهن نشاط فني دورة لمدة عامين، ونجح الأمر، وبدأت المدارس الخاصة تكتفي ذاتيا بالمدرسات».

وقال إن وزارة التربية كانت تتولى مهمة تنفيذ لوحة عن التراث الكويتي خلال الزيارات الرسمية للرؤساء، وأضاف: «كانت تلك اللوحات تقتصر على التحطيبة أو الجرة، حتى توليت أنا زمام الأمور، وقدمنا لوحة أعطيتها للراحل مرزوق المرزوق (سلام سلام)، واشتغلت عليها نادرة الريس، كانت ناظرة مدرسة المنصور، وكانت تلك أول لوحة يدخل فيها التراث الكويتي».

وتوقف شادي الخليج عند بذرة مشروع «السندباد»، التي تضمنت «مذكرات بحار»، وقال: «التقيت غنام الديكان في لحن (لما تولى)، وحقق نجاحا كبيرا، بعدها طرحت عليه فكرة أوبريت السندباد، واستعنت بمجموعة من الفنانين الشعبيين، منهم خليفة العميري ومعيوف، وغيرهما، لأنني عندما أسمع هؤلاء أقيس من خلال ردة فعلهم مدى قناعتهم بالعمل، وكانت النتيجة عرض (السندباد)».