المعادلة السياسية بشكلها الحالي معادلة عقيمة تقف عقبة في طريق تطور النظام الديمقراطي، ولن تؤدي، كما قلنا مراراً وتكراراً، إلا إلى إعادة إنتاج الأزمة السياسية بصور جديدة، وما يترتب على ذلك من إضاعة الوقت الثمين، واستهلاك الطاقات البشرية، واستنزاف المال العام في مماحكات سياسية، وإشغال الناس في لجة تفاصيل صغيرة تافهة، وصراعات دائرية لا فائدة تُرجى من ورائها سواء بالنسبة إلى التنمية المستدامة، أي رفع مستوى معيشة المواطنين وتلبية احتياجاتهم وتحقيق تطلعاتهم، أو بالنسبة إلى تقدم الوطن وحمايته داخلياً وخارجياً، وذلك في ظل ظروف إقليمية ودولية مُعقّدة وغير مُستقرّة. صحيح أن لدينا دستوراً ينص على أن "نظام الحكم ديمقراطي..."، ولكن الواقع مختلف، فنظام الحكم الديمقراطي يعني التعددية السياسية، وتداول السلطة التنفيذية، وإطلاق الحريات العامة، ودولة المؤسسات الدستورية، وفصل السلطات، والحديث عن ذلك، في وضعنا الراهن، هو حديث إنشائي تنقصه الدقة، فالحريات السياسية مُقيّدة ومُكبّلة بقوانين متخلفة، والتعددية السياسية غائبة، إذ لا تنظيم وإشهار للعمل السياسي، وتداول السُلطة التنفيذية غير موجود، أما مجلس الأمة كمؤسسة دستورية فقد تم العمل على تحويله تدريجياً، خصوصا بعد النظام الانتخابي الجديد "الصوت الواحد"، إلى مجلس شكلي وضعيف تهيمن عليه الحكومة المُممثلة داخله أصلاً (ثلث أعضائه) بحسب نص الدستور مما يُخلّ بمبدأ فصل السلطات العامة.
والمعالجة الصحيحة للمعادلة السياسية العقيمة، أو طريق الخروج من الحلقة السياسية المفرغة التي أضاعت على وطننا الكثير من فرص التطور والتقدم هي طريق معروف سارت عليه دول كثيرة متقدمة، ولا تحتاج إلى إعادة اختراع العجلة، كما يقال، فالإصلاح السياسي-الديمقراطي، كما ذكرنا مراراً، هو بداية الطريق الصحيح، وهو ينطلق بوجود إرادة سياسية، ومشروع سياسي نهضوي يستهدف بناء دولة مدنية ديمقراطية دستورية حديثة عادلة اجتماعياً، وهذا يتطلب تنظيم الحياة السياسية على قواعد وطنية صلبة بحيث تُحظر الجماعات الفئوية والطائفية والعنصرية، ثم يتم التوافق الوطني، بعد ذلك، على نظام انتخابي ديمقراطي يضمن التمثيل العادل والمتساوي للمواطنين كافة على أساس قاعدة ديمقراطية وهي "صوت كامل لكل مواطن" وليس عُشر صوت كما هي الحال حالياً. أما في حالة غياب المشروع النهضوي لدولة مدنية حديثة وعادلة، وعدم البدء بالإصلاح السياسي-الديمقراطي المُستحق، فيستمر استهلاك الطاقات وهدر الجهود البشرية، واستنزاف الأموال العامة في صراعات سياسية عبثية لا هدف لها سِوى النفوذ الشخصي، والمصالح الخاصة التي تأتي دائماً على حساب المصلحة الوطنية.
مقالات
معادلة سياسية عقيمة... فما العمل؟
11-10-2017