يأس محمد مساعد المبكر
في مقال للراحل محمد مساعد الصالح، بعنوان "اليأس المبكر"، نشر عام 2002، يعود محمد بذاكرته لمجلة البعثة، وهي النشرة الثقافية التي كان يصدرها بيت الكويت، المشرف على الطلبة في القاهرة بداية الخمسينيات، كان يرأس النشرة عبدالعزيز حسين، ثم عبدالله زكريا الأنصاري، رحمهما الله، ويتذكر محمد كتابات الطلبة في النشرة ويقول: "... كانوا يعالجون في مقالاتهم الهموم الكويتية مثل مياه شط العرب... وإصلاح الدوائر الحكومية وتكويت الوظائف... ولعل الشيء الذي كان يشغلني دائماً وأتمنى أن يتحقق أن هؤلاء الطلبة الكتاب بعد أن تخرجوا إلى بلدهم الكويت، وتسلموا مراكز قيادية، وزراء وأعضاء مجالس أمة ووكلاء وزراء... ترى لو تطوعت جهة من الجهات، وجمعت مقالات كل كاتب، وأجرت حواراً معه الآن يدور حول: هذه أفكارك عندما كنت طالباً، وكنت تطالب المسؤولين في تطبيقها... واليوم أنت في مركز المسؤولية فماذا حققت من طموحاتك الطلابية؟ وهل نجحت في تنفيذ برنامجك أم فشلت...؟".ويضيف محمد أنه كان من كتاب البعثة، ولو سأل نفسه السؤال السابق فسيكون جوابه "... لا شيء فيما كتبته في فترة الصبا في الخمسينيات قد تحقق في عام 2002، بل إن الأداء الوظيفي سيئ... والرشوة منتشرة... والوساطة قائمة قاعدة... ولهذا فإنني عندما ألاحظ بعض الشباب المتحمس للإصلاح أرى نفسي وقد عدت إلى تلك الفترة، وأرد بهمس غير مسموع – مساكين هؤلاء الشباب لا يزال لديهم أمل في الإصلاح، وأنا شخصياً وصلت إلى مرحلة قريبة من اليأس ببقاء الحال على ما هو عليه... وكما يقول المثل الكويتي (امسك مجنونك لا يجيك الاجن منه)...".
أتأمل صورة محمد مساعد أمامي، أتذكر ملامحه كما رسمتها في ذاكرتي... وجه أنهكته السنون الطويلة... شارب كثيف أشيب مختلط فيه البياض مع بقية ظلال سواد قليلة يمتد من أسفل أنفه ليغطي مساحة عريضة تصل إلى شفته العليا، نظرة حزينة... تشي بخلاصة مقاله عن اليأس المبكر... قبل خمسة أيام صادفت ذكرى مرور سبع سنوات على رحيله، كتب كلماته السابقة قبل خمس عشرة سنة، وهو بالمقال يتحدث عن حالة تقترب من اليأس بعد خمسين عاماً من الذكريات والآمال عن أحلام التغيير والإصلاح... أحلام أو أوهام، لا فرق... كلها انتهت بحالة الملل واليأس النفسيين عند محمد.ماذا لو كان محمد حياً حتى هذه اللحظة؟! رغم أن التاريخ لا يعرف حرفي "لو"، لكن لنتخيل ماذا كان سيقول لنا بعد أن تمددت خطوط الإحباط الطويلة إلى هذه اللحظة، ماذا سيكتب "أبوطلال" اليوم؟ هل ستتغير كلماته؟ هل سيبدل نظارته السوداء حين كتب مقاله السابق؟!هل تريدون إجابة...؟ هل ستفركون فروة رؤوسكم بحثاً عنها...؟! لا حاجة... طالعوا صحفنا وإعلامنا المكتوب واللامكتوب وصور كبار المسؤولين وأخبارهم تفرض علينا، وتشغل حيزاً من الخواء في وعينا... انظروا في حالكم وحال البلد... اخرجوا وتذوقوا طعم الشارع المختنق بالسيارات المجنونة... راجعوا "مؤسسات" الدولة، وأشخاصها... ماذا تغير "في" كبار المسؤولين الذين يقودون أوركسترا النشاز الكويتي؟ ما الجديد في نهجهم وليس في أشخاصهم فقط؟ هل وجدتم جديداً أم "لا جديد تحت الشمس"...؟ هل هناك غير سيفوه جالساً وحيداً في مكانه وزمانه يهزأ بنا وبأحلامنا...؟ هل مازال شريم (نا) ينفخ أم تعب...؟ من المسؤول عن هذا الحال يا ترى؟!