«قضية رقم 23»!
![مجدي الطيب](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1458322261627985900/1458322269000/1280x960.jpg)
نتيجة «الإهانة» (عنوان الفيلم بالإنكليزية) لجأ «طوني» إلى مقاضاة «ياسر» في المحكمة، التي سجلت الدعوى في الأوراق على ذمة «قضية رقم 23» (عنوان الفيلم باللغة العربية)، وفي واحد من أكثر السيناريوهات تماسكاً، وتشويقاً، وإثارة، ينجز «دويري» و{جويل توما» نصاً سينمائياً يتحول فيه النزاع التافه إلى مواجهة عاصفة، في ساحة القضاء، لا يغيب عنها الإعلام الفاجر، الذي يتاجر بالقضية، وأطرافها، وبعدما يصبح الرأي العام طرفاً في الجدل، تصبح الفرصة مهيأة لفتح ملفات الحرب الأهلية، والنبش في الملفات الشخصية إذا لزم الأمر!في مشاهد من الفيلم يبدو «دويري» منحازاً إلى المهندس الفلسطيني، الذي يأبى توظيف الإهانة الحقيقية التي وجهها إليه «طوني»، بقوله: «يا ريت شارون كان محاكم عن بكرة أبيكم»، في كسب النزال من الجولة الأولى، ورفضه أية متاجرة بقضيته من الإعلام أو المحامية «نادين» (ديامان أبو عبّود). لكن سرعان ما تتعادل الكفة بالنظر إلى المأساة التي يحملها «طوني» على كتفيه، فالشاب، الذي نوه السيناريو بذكاء إلى انتمائه إلى حزب «الكتائب»، وإيمانه بأفكار بشير الجميل القائد العسكري للقوات اللبنانية، وإدمانه الاستماع إلى خطبه المتلفزة، هو ابن بلدة «الدامور» المسيحية، التي تمكّن مقاتلو منظمة التحرير الفلسطينية، من اجتياحها، خلال الحرب الأهلية، بسبب سيطرة مسلحي الكتائب عليها، وقتل المئات من سكانها، وهو ما تسبب في ثورة الانفعال الشديد، التي انتابت «طوني» كما قال محاميه «وجدي وهبة» (كميل سلامة) في دفاعه! من دون شعارات زاعقة أو خطب رنانة أكد الفيلم، على لسان شخصياته الرئيسة، أن «الحرب الأهلية انتهت عام 1990 لكنها ما زالت باقية في العقول»، وأن «الاعتذار ليس نقطة ضعف بل مسحة أخلاق»، كما أن «لا أحد يحق له احتكار المعاناة»، في إشارة إلى الفلسطينيين، الذين لا ينبغي لهم النظر إلى أنفسهم بوصفهم أنهم الوحيدون «المشردون في الأرض»، وأن «تسليط الأضواء على قضيتهم وحدهم فيه ظلم لأطراف أخرى». لكنه شدّد في المقابل على أن «الإهانة» ليست مجرد كلمات عابرة، وإنما استهداف لهوية شعب، وتاريخ قضية.وفي أعقاب مواجهة ساخنة بين «طوني» و{ياسر» انتهت باعتذار الأخير، وأيقونات لها دلالاتها، مثل: هطول المطر، وكأنه ينظف الأدران، والعلم اللبناني وهو يرفرف، وعودة «طوني» إلى بلدته الدامور بعد غيبة متعمدة، يتبادل الطرفان اللدودان نظرة تفاهم، وصفح، وغفران، ويبدو الكل سعيداً في مصالحة وطنية عبثية، وكأنها النهاية السعيدة في أفلام الأبيض والأسود!