انزعوا فتيل البصمة
دخل قرار ديوان الخدمة المدنية الخاص بإلزام جميع الموظفين في الجهات الحكومية بالبصمة حيز التنفيذ منذ أيام، ورغم ردود الأفعال الغاضبة لايزال هناك إصرار على تطبيق القرار دون النظر إلى الآثار السلبية الكثيرة التي ستحدث، حيث إن هناك أكثر من 30 ألف موظف ممن زادت خدمتهم على 25 عاماً سيضيق هذا القرار عليهم الخناق، ويدفعهم للاستقالات والتقاعد، بالإضافة إلى آلاف ممن تتسم مهامهم الوظيفية بالعمل الميداني، خصوصا المديرين والمراقبين ورؤساء الأقسام، وستكون البصمة عائقاً رئيساً أمام أدائهم لواجبهم الوظيفي، وسيكون شغلهم الشاغل "تبصيم" الحضور والانصراف.ولسنا بحاجة إلى تأكيد أن هذا القرار مجحف وعبثي وغير مدروس، وتوقيته غير مناسب، خصوصاً في ظل الاختناقات المرورية مع دخول المدارس، والإنشاءات الجديدة في الطرق والجسور، حيث إن أكثر من 371 ألف موظف في 30 جهة حكومية يجبرون على الحضور والانصراف في وقت واحد للتبصيم، ومن ثم ستتكدس الشوارع وتتوقف حركة السير، أكثر مما هي عليه الآن.
والحديث عن أن هذا القرار سيجعل الموظفين الذين لم يكونوا خاضعين للبصمة يلتزمون بالدوام، غير حقيقي، فمن لم تردعه كل هذه السنوات للالتزام بالعمل فلن تقيده البصمة، لأنه إن لم يكن ملتزماً فبوسعه أن يذهب إلى عمله يبصم ويغادر، ثم يعود عند الانصراف، كما أن مشكلتنا ليست في البصمة، إنما البيروقراطية التي تنهش جسد العمل الإداري، ومن اعتقد أن تطبيق البصمة سيضاعف الإنتاج فهو مخطئ؛ لأن مثل هذه القرارات محبطة وتساوي بين جميع المستويات الوظيفية ولا تفرق بين مجتهد ومقصر، وإذا كان هناك فوضى من بعض الموظفين في ظل النظام القديم بكشوف الحضور والانصراف فيجب محاسبة المسؤولين عن ذلك، لا تطبيق مقولة "الشر يعم والخير يخص".وما يثير سخط الكثيرين أن هذا القرار لم يُعرَض على النقابات المهنية أو يتم عمل حوار مجتمعي حوله لمعرفة إيجابياته وسلبياته، بل أقر بين عشية وضحاها في الوقت الذي يرفض فيه المسؤولون إعطاء الحقوق لعدد كبير من موظفي الجهات الحكومية من بدلات وامتيازات، ويجمدون في أدراج مكاتبهم عشرات المطالب العادلة منذ عشرات السنين.والرسالة التي أود توصيلها هنا أنه يجب الإسراع بإلغاء هذا القرار قبل فوات الأوان، وهذا ليس عيباً، فقد حدث سابقاً عند قيام الحكومة بمنع الأطباء من الجمع بين الوظيفة الحكومية والعمل الخاص بأن تراجعت، وكان مصير القرار رحيل وزير الصحة وقتها، وتم تجميده مباشرة، أما إذا أصرت الحكومة على الاستمرار في تطبيق البصمة فلتتوقع المزيد من الغضب، إذ من الواضح أنه سيكون هناك تحرك من الكثير من النواب والنقابات إضافة إلى الفئة المتضررة من الموظفين.