«منشر صُور 2» للتصوير الفوتوغرافي... حكايات الجذور

رندة برّي: المصوِّر اللبناني يقدِّم للعالم أجمل صورة عن شتلة التبغ

نشر في 15-10-2017
آخر تحديث 15-10-2017 | 00:10
تتمحور مسابقة «منشر صُور» للتصوير الفوتوغرافي حول موضوع مراحل قطاف التبغ في لبنان، ويشير عنوانها إلى المنشر الذي تُعلّقُ عليه أوراق التبغ بعد قطافها، وتهدف إلى «دعم الطاقات الشابة والموهوبة»، وتوثيق «رحلة التبغ والتنباك»، ضمن استراتيجية إدارة حصر التبغ والتنباك اللبنانيّة (الريجي) في بيروت. وزّعت الجوائز أخيراً على الفائزين في احتفال رعته وحضرته عقيلة رئيس مجلس النواب اللبناني الرئيس نبيه بري، السيّدة رندة عاصي برّي.
أقيم في بيروت معرض للصور المشاركة والفائزة في مسابقة «منشر صُور 2» للتصوير الفوتوغرافي، تضمن 56 صورة وثّقت أيضاً في كتيّب خاص، ذلك من بين 614 صورة كان قدّمها 240 مشتركاً من الهواة والمحترفين على السواء ومن الأعمار كافة.

ركّزت الصور على محاور عدة، من بينها «وجوه وحكايات»، و«الجذور»، و«الصبر»، و«إيد بإيد»، «»الصلابة».

الاحتفال الذي يسلّط الضوء على مراحل قطاف التبغ والتنباك في لبنان، حضرته ورعته السيّدة رندة عاصي برّي، التي لاحظت في كلمتها أن «لكل صورة في المعرض قصة رائعة، وقصة إبداع تختصر مجلدات تاريخية من الإرث التراثي والإنساني». ورأت أن «حفظ التاريخ وحفظ الجهاد والعناء مسؤولية إنسانية ووطنية، وهو ما يوفّره نتاج المعرض».

وهنأت المصورين «الذين تحملوا عناء المسافات من طلوع الفجر إلى ما بعد المغرب ليلتقطوا أعمق اللحظات تعبيراً عن المعاناة والفرح في الوقت نفسه»، مشيرةً إلى أنها قرأت في الصور «قصصاً كثيرة». كذلك أشادت بـ«قدرة المصور اللبناني الذي يحمل من الفكر والحضارة ما يؤهله ليقدم للعالم أجمل ما يمكن عن شتلة التبغ، من قطافها إلى شكلها والسهر عليها حتى تكون لقمة العيش مغمّسة بعرق الفقير».

لقاء إنساني

ووصفت برّي معرض «منشر صور» بأنه «لقاء إنساني بمضامينه الاقتصادية والاجتماعية والثقافية»، مثنيةً على «عمل الريجي الرائد والمتقدم لتطوير هذا القطاع، وتحويله من إدارة احتكارية إلى إدارة يحتذى بها على صعيد المؤسسات العامة، باعتبارها نموذجاً متقدماً للقطاعات المنتجة التي تمثّل حاجة للوطن ولاقتصاده»، مذكّرة بقول الرئيس نبيه بري في إحدى المناسبات «إن مؤسسة الريجي تسبح عكس تيار الدولة التي تسبح نحو اللادولة».

ورأت أن المعرض «يشكل مساحة يختلط فيها البعد الإقتصادي والاجتماعي والثقافي، وهذا يدل على البعد الإنساني لشتلة التبغ». واعتبرت أن التبغ «شتلة للحياة لأنها تشكل صورة للوجدان الجنوبي والشمالي»، ملاحظةً أنها «أضحت كالطقوس الدينية التي تلازم يومياتنا، فلا يكاد المؤذنون ينتهون من أذان الفجر، حتى ينحني المزارعون من الرجال والنساء والأطفال على جذوعها الراسخة في الأرض والثابتة على الوعد، ينصتون إلى أوراقها المقطوفة بكل حب والتي تشبه القلب، يغازلونها وينشدون لها بكثير من الشقاء أغاني تحاكي وجوهاً نحت على جبينها بوهج الشمس تجاعيد تعب حفرت على مر السنين أقاصيص العز وكرامة الإنسان».

وأبرزت أهمية الصورة الفوتوغرافية  في العصر الراهن لما لها من تأثير قوي وفاعل، فهي أضحت إحدى أهم أدوات عالمنا المعرفية والثقافية والاقتصادية والإعلامية، إذ استطاعت الصورة في أكثر من حدث أو مناسبة أنْ تحشد الرأي العام تجاه قضايا معينة، وتغيّر مواقف، وتبني سياسات جديدة.

ولفتت إلى أن «إدارة الريجي قدّمت مشكورة في الآونة الأخيرة الآلات والمعدات للمزارعين بالإضافة الى تأهيل برك زراعية».

ولاحظت إمكان تضمين الصورة رسائل عدة تستطيع أن تبلور رأياً عاماً ضاغطاً على راسمي السياسات الاقتصادية في لبنان لدعم زراعة التبغ.

بري تحدثت أيضاً عن «مشهدية الصمود والانتصار التي تستطيع أن تمثلها الصورة في إبراز دور شتلة التبغ في صمود أهالي الجنوب على مدى عقود من الزمن في وجه العدو الإسرائيلي الذي كان يتلف المحاصيل ويحرقها لتسقط وريقات التبغ شهيدة على الأرض، ويذهب جنى الموسم ولقمة العيش المغموسة بالدم والدموع في مهب رياح الحقد، بالإضافة إلى دور الإقطاع السيئ الذي لطالما استغل تعب وجهد المزارعين وعائلاتهم».

حماية قوت الشعب

أسفت رندة بري «لكون الزراعة تتلاشي شيئاً فشيئاً وتضمحل»، مشددةً على أن «ليس في العالم من دولة أو استراتيجيّة تدير ظهرها للزراعة». واعتبرت أن «الأولوية يجب أن تكون حماية قوت الشعب والمواطن». كذلك ذكّرت بأن «لبنان مصنّف بلداً زراعياً بالدرجة الأولي، إذ إن مدخوله القومي يأتي من الزراعة السياحة»، ودعت إلى تشجيع السياحة الزراعية كما في بعض دول أوروبا، وتحويل المساحات  الزراعية مواقع سياحية عبر دعم المزارعين وأصحاب الأراضي، لافتة إلى أن ذلك يشكّل «مصدر دخل قومياً كبيراً للدولة واقتصادها». والمشكلة الأخرى، في رأي بري، تتمثل في عدم الإشراف على نوعيّة الإنتاج الزراعي لا سيّما الغذائي منه. وتابعت: «لو وفّرنا الاهتمام بالزراعة والرقابة السليمة والصحية، لكان الوضع أفضل بكثير»، منبّهةً إلى أن «إهمال الزراعة يتأتى منه جزء كبير من الإهمال الصحي الذي يكلّف الدولة أضعاف ما تتكلفه لإعادة ترميم ما خلّفته مساوئ التغذية التي تشكل أكبر خطر على حياة الناس».

 

سقلاوي

رئيس «الريجي» مديرها العام المهندس ناصيف سقلاوي رحب بالسيدة برّي، مذكّراً بأنها «بنت ثقافة الفرح والفنّ من خلال مهرجانات صور والجنوب، وأسست، أهمّ صرح لتأهيل المُعوّقين في الشرق الأوسط، وأوضح أن المسابقة تهدف إلى «دعم الطاقات الشّابة والموهوبة» وإلى «توثيق هذا الإرث الحضاري». وقال: «للعام الثاني على التوالي أصررنا في الرّيجي على إقامة معرض صور يُوثقُ رحلة التّبغ والتّنباك، وحكاية الأرض وصمود شعب، لأنّ الصورة تنقلُ هذا التعب الجميل، وسخاء الأيدي القريبة من الله، والعرق المجبول بالتّراب، وتُوثّق فصول زراعة اقترنتْ على مرّ السّنين بالصّبر والصُّمود».

وأضاف: «وحدها الصُّورة تعكسُ حُلْو الشّتلة المُرّة، ودفء الحبّ في عائلة تحكي المواسم عند مصطبة الدّار. ووحدها الصورةُ تنقلُ صدى مواويل المشاتل وحكايات الجذور، والصّبر، والصّلابة من يد إلى يد، ومن جيل إلى جيل، من الجنوب إلى البقاع وعكار».

وتابع قائلاً: «ما تُشاهدونه اليوم، لم يكن ليتحقّق بهذه السُّهولة، فقد جُلنا بالمصوّرين على مناطق زراعة التبغ المحاذية للحدود مع فلسطين في بلدة عيترون الجنوبية، حيثُ فعلُ المُقاومة والصُّمود يحضُرُ أيضاً بزراعة هذه الشّتلة. ورأينا ورأى المصوّرون الموهوبون والمحترفون كيف أنّ الناس يعيشون في هذه الأرض من خيرات هذه الزّراعة. وإلى البقاع، تحديداً إلى دير الأحمر، وتزامُناً مع معركة تحرير الجُرود، رافقنا فريقاً من المصوّرين ليشاهدوا كيف أنّ أهلنا في البقاع يعملون رغم الظروف الأمنيّة الصّعبة، وليستمدوا العزم منهم وينقلوا بالصُّورة ثباتهُم وتكاتُفهُم. ثمّ مضيْنا إلى عكار، إلى أمّهات التّبغ في قرى وبلدات سهلها، في تلمعيان والقليْعات، حيث نموذجُ الوحدة، والصّبر، والجهود المُضاعفة والمضنية».

وأكّد أن»الريجي» تؤمنُ «بالفنّ الواعي والمُلتزم، وبتطوير قدْرات الشباب فكرياً وفنياً»، وختم قائلاً إن «الريجي»، من خلال مُسابقة ومعرض «منشر صور»، «تُشارك في دعم قطاع الفن، وتُشجّعُ الموهوبين، وتُنصفُ المُحترفين»، واعداً بـ«توسيع هذه المُسابقة والمعرض وتطويرهما».

الفائزون

بحسب النتائج التي أعلنتها رنا كمال الدين، حصلت إيمان السيّد على جائزة لجنة التحكيم لأفضل صورة، ونالت 2000 دولار، في حين مُنحت الجائزة الثانية وقّدرُها 1500 دولار إلى كريكس بربريان. ونال عباس سلمان جائزة أفضل مجموعة صور وقدرها 1500 دولار. أما جائزة تصويت الجمهور لأفضل صورة (1000 دولار) فحازتها ثروت نور الدين. وتولّت لجنة التحكيم مهمة تقييم الصور، بينما صوّت الجمهور إلكترونياً عبر موقع الريجي الإلكتروني وصفحات التواصل الاجتماعي التابعة لها. وتألفت لجنة التحكيم من المصورين المحترفين فادي بو كرم، ومهدي سكافي، والمهندس جعفر الحسيني، إضافة إلى مريم حريري عن «الريجي».

 هدف المسابقة دعم الطاقات وتوثيق رحلة التّبغ والتّنباك ... سقلاوي

لكل صورة في المعرض قصة رائعة تختصر مجلدات تاريخية ... رندة بري
back to top