شيء يشبه العار
حين انتشرت وسائل التواصل الاجتماعي، كـ"فيسبوك" و"تويتر"، وغيرهما، كان الأمل الكبير أن تتيح تلك الوسائل لنا طريقا نحو التواصل مع أسماء عديدة من الأدباء والمثقفين في أنحاء الوطن العربي. وكانت فرصة لقاء هذه المجاميع الكبيرة من زملاء الحرف ورفاق الهمّ الأدبي؛ من كُتاب ونقاد وشعراء وروائيين، لم يكن لها أن تتحقق في العالم الحقيقي كما تحققت في العالم الافتراضي. ليس سهلا أن تلتقي على صفحة واحدة من صفحات التواصل هذا العدد الكبير من أسماء كنا نقرأ لها ونتلقى أخبارها من الصفحات الثقافية دون أن نتواصل معها مباشرة، كما يحدث اليوم. هذه الوسائل الاجتماعية، كأي منتج نستهلكه، كنا نتوقع لها آثارا سلبية تماما، كما نتوقع إيجابياتها، وما حدث أن هذه الآثار السلبية كانت طاغية بشكل لافت للنظر، ظهرت فجأة شخصيات شاذة في السوشيال ميديا حققت نجاحا جماهيريا منقطع النظير لا يتناسب وكمّ التفاهة التي انتشرت في هذه الأوساط بسببها. ولأن العامة العربية، كأي عامة في العالم، تلهث خلف هذه التفاهات، لمجرد الفرجة والإلهاء، كان هذا النجاح متوقعا، وإن لم يكن مقبولا. وكان ما نعوِّل عليه، هو معادلة المثقف الموجود على هذه المساحات التواصلية لهذا الهبوط الاجتماعي. المثقف هو الشخص الذي أنيطت به مهمة الارتقاء بالخطاب أولا، سواء بين زملائه، أو وسط جمهوره، والارتقاء بالأخلاق ثانية. لكن ما يحدث هنا للأسف على غير ذلك الطموح.
في الفترة الأخيرة تحديدا، ودون سبب منطقي، تشهد وسائل التواصل خطابات مقيتة ومؤسفة بين المثقفين، ومنهم مجموعة كبيرة نعتز بها ونحترمها، ونأسف لأن تصل بها الأمور إلى هذا المستوى من السوء. الحوار الذي يدور بين مجموعة من المثقفين، لكي لا نذكر بعضهم ونترك آخرين، والأسماء ليست سرا، وهي موجودة بخطاباتها على شبكات التواصل، هو حوار يميل للجانب الشخصي والهجوم لأسباب غير منطقية تحكمها السياسة بالدرجة الأولى. الكاتب العربي منذ الجاهلية وحتى يومنا هذا، هو ابن انتمائه القبلي في زمن القبيلة والدولة بالزمن الحديث. وأحرقت السياسة مجموعة كبيرة من نتاجنا الإبداعي، لاحتكارها أغلب نتاجنا الفكري. ويبدو أنه من الصعب على الكاتب التخلص من فكرة الانتماء السياسي والتعصب، ليس لوطنه، كما يظن، لكن لمن يحكم وطنه. ينقلب الكاتب كما تنقلب بوصلة السياسي، ومَن كان معه بالأمس هو ضده اليوم، وسيعود حين تعود الأمور لطبيعتها. بالتأكيد ليس كل إبداع الكاتب العربي هو أدب سياسي بالدرجة الأولى، لكن هذا التناحر بين المثقفين هو سقوط أخلاقي ومعرفي واهتمام بما ليس إبداعيا. ليست مهمة المبدع أن يكون طرفا في الصراع السياسي المتحول، ويحوِّل كل اهتمامه ووقته لدخول هذا الصراع، وفي حالات كثيرة يفشل في الخروج منه. المبدع هو مَن يرى في الإنسان ضالته التي يكتب من أجلها، الإنسان الذي يعاني غالبا من الصراع السياسي وغالبا ما يكون هو ضحيته الأولى. ما يحدث الآن بحاجة إلى مراجعة ذات، حتى لا يصبح كل هذا التواصل الاجتماعي قميئا وشاذا.