الانسحاب من اليونسكو علامة ضعف لا قوة
لقد تباهى نتنياهو بقدراته الدبلوماسية على تغيير مواقف الدول المؤيدة لفلسطين، وبالغ في نجاحاته في تمرير التطبيع على حساب القضية الفلسطينية، ولكن قراره الانسحاب من اليونسكو قد كشف وعرّى ضعف الموقف الإسرائيلي، ومثّل علامة ضعف لا قوة، لأنه سيفسر في نهاية الأمر على أنه انتصار لفلسطين التي طردت إسرائيل من اليونسكو.
ليس غريبا أن تقرر حكومة إسرائيل الانسحاب من منظمة اليونسكو بعد أن تكرر فشلها الدبلوماسي في حجب الأصوات عن مساندة القرارات المناصرة للعدالة وللحقوق الفلسطينية، لكن المثير للاستغراب أن تقدم حكومة الولايات المتحدة الأميركية على أمر كهذا، وكأنها تفضل المصالح الإسرائيلية على مصالح شعبها. الخطوة الأميركية تغذي مرة أخرى القناعة بأن إسرائيل تدير سياسة الولايات المتحدة ليس في كل ما يتعلق بالشرق الأوسط فقط، بل بكل محافل الأمم المتحدة الدولية، كما أنها تؤكد استحالة أن تقوم الولايات المتحدة بدور الوسيط في ما يسمى "بعملية السلام" وهي على هذه الدرجة من الانحياز المطلق لإسرائيل وسياساتها. وبالتأكيد فإن الخطوة الأميركية لا تليق بما يجب أن يكون عليه سلوك دولة عظمى، وإن كانت تنسجم مع السلوك غير المتزن بمساعي الإدارة لإلغاء نظام الرعاية الصحية لملايين الأميركيين، وللتنصل من الاتفاق الدولي مع إيران حول الطاقة النووية.
ومن الفظيع أن تصل الأمور إلى حد وصف منظمة ثقافية وفكرية محترمة كمنظمة اليونسكو بأنها "معادية للسامية"، بعد أن أصبح الادعاء "بمعاداة السامية" الفزاعة التي تستخدم لإرهاب كل من يناصر الحق والعدالة وحقوق الشعب الفلسطيني، الرازح تحت الاحتلال ونظام الأبارتهايد العنصري.وإذا كان من السخافة بمكان وصف الفلسطينيين والعرب بمعاداة السامية، وهم أنفسهم من أصول سامية، فإن الإفراط الإسرائيلي في استخدام هذه الفزاعة التي تمثل نوعا من الإرهاب الفكري، يخلق آثارا عكسية على المستوى الدولي تجاه إسرائيل. ومثلما لا يجوز التهاون في التصدي لخروقات إسرائيل للقانون الدولي، بما في ذلك ما تمارسه من احتلال وقمع وتنكيل بالشعب الفلسطيني، فإن المؤسسات الدولية والأحزاب والدول مطالبة بعدم الرضوخ للإرهاب الفكري الذي تمارسه حكومة إسرائيل وأحد أشكاله الهجوم على حركة المقاطعة، وفرض العقوبات من خلال محاولة وصمها "باللاسامية"، رغم أنها تمثل شكلا سلميا تماما من أشكال النضال في وجه الظلم والاضطهاد والتمييز. لقد تباهى نتنياهو بقدراته الدبلوماسية على تغيير مواقف الدول المؤيدة لفلسطين، وبالغ في نجاحاته في تمرير التطبيع على حساب القضية الفلسطينية، ولكن قراره الانسحاب من اليونسكو قد كشف وعرّى ضعف الموقف الإسرائيلي، ومثّل علامة ضعف لا قوة، لأنه سيفسر في نهاية الأمر على أنه انتصار لفلسطين التي طردت إسرائيل من اليونسكو.وفي نهاية المطاف، فإن ذلك قد أثبت القوة الكامنة التي يمتلكها الفلسطينيون إن واصلوا هجومهم الدبلوماسي في كل مؤسسات الأمم المتحدة وباقي المؤسسات الدولية. وإذا كانت إسرائيل استطاعت أن تجر الولايات المتحدة للانسحاب من منظمة اليونسكو، فإن الإدارة الأميركية ستفكر ألف مرة في عواقب عمل كهذا إن وصلت المعركة الدبلوماسية إلى أروقة منظمة الصحة العالمية، أو منظمة الغذاء العالمي، أو الملكية الفكرية، فالانسحاب من هذه المنظمات ستكون له تكاليف باهظة وآثار خطيرة على امتداد العالم. قد يكون الشعب الفلسطيني صغيرا نسبيا من حيث عدد أفراده، ومساحة وطنه، ولكن هذه الأحداث أثبتت أنه كبير جدا بعدالة قضيته، وبسالة نضاله، وشدة عزيمته في الدفاع عن حقوقه. * الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية