ياباني وألماني... وكويتي!
أثار تساؤل رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم في أحد المؤتمرات العامة الأسبوع الماضي عن ماهية الفرق بين المواطن الكويتي والمواطنَين الياباني والألماني جملة ردود وتفاعلاً واسعاً بوسائل التواصل الاجتماعي كانت في مجملها ناقدة للوضع السياسي والبرلماني والحقوقي في الكويت، وعدم رضا عن أداء السلطات الدستورية في البلاد.سعادة مرزوق الغانم نفسه ردَّ على تساؤله ذلك بشقين؛ أحدهما تناول الدين والشريعة الإسلامية، والآخر أشاد فيه بمهارة وأعراف المواطن الكويتي. وفيما يخص الشق الأول، المتعلق بالشريعة الإسلامية، أعتقد أن أحد أهم أسباب مشاكلنا، هو استخدام الدين في السياسة، وجعل معيار المعتقد الشخصي للفرد مقياساً لأدائه الوطني، ومساهمته في بنائه، وتنميته لمجتمعه. ولا يمكن أن يتم عمل مقارنة بهذا الشأن، وفقاً لمعتقدات الكويتي، مقارنة بمعتقدات الياباني والألماني الدينية.
أما فيما يخص قوة ومهارة المواطن الكويتي، مقارنة بغيره، فأتفق مع الرئيس الغانم، بأن الكويتي هو الأفضل، لأنه استطاع أن يبني وطناً، ويحافظ عليه لأكثر من ثلاثة قرون في أرض جرداء، لا زرع فيها ولا ماء، وحفر الصخر لبقاء هذا الوطن، وجلب له الماء بكل الطرق التي تفتق لها عقله، كما جاب البحار، ليحمل الثروات إلى ذلك الوطن الصغير، وكذلك تمكَّن من بناء أكبر أسطول بحري تجاري في المنطقة، كما حمل السلاح ضد كل غازٍ لهذا الوطن، ليبقى حُراً آمناً وملاذاً لكل مَن يطلب الرزق والحرية.لكن ماذا كان مصير أحفاد هؤلاء الكويتيين الأشداء والشجعان، بعد أن أغدق الرزاق عليهم بالثروة، وبعد أن صاغ الآباء المؤسسون نظاماً ديمقراطياً قابلاً للتطوير، كمنهج حُكم يصون كرامتهم وحقوقهم، ويحفظ الثروة، ويوزعها عليهم بالعدالة؟ فقد تسلط عليهم المحتكرون والأفاقون وسُرَّاق المال العام والأنانيون، الذين يعتبرون أنفسهم "بتوع كله"، فهم ملوك الرياضة، وزعماء السياسة، وقادة الوجهاء والتجار.وهؤلاء نخروا النظام الديمقراطي، ومازالوا يحاولون تقويضه، وأشاعوا في البلد نعرات الفُرقة، ووزعوا المال السياسي، فأفسدوا الذمم، ودمروا قيم العمل، واستبدلوها بالمظاهر الكاذبة، وأصبح "ذكاء" أن تأخذ نصيبك من ثروة البلد، بأي وسيلة كانت، وبعدها يظل هؤلاء يسبحون ويحمدون الوضع في الدولة، لأنهم أمَّنوا مستقبل عائلاتهم من السحت، فيما أضحت سرقة البلد من المناقصات والمشاريع التي تُبنى بأضعاف تكلفتها الحقيقية وبمواصفات أقل من المتوسط "شطارة تاجر"!كما أصبح المال السياسي في المقار الانتخابية "أداة دعائية"، وثروات النواب "البراشوتية" هي "تعديل وضع" واحتكار المناصب وتوريثها نهج سياسة "هذا ولدنا"، وهروب مسؤول التأمينات مع صرف مكافأة نهاية الخدمة له كاملة، تبريراً لوضع "هذا تبعنا ونخاف منه"، ويُوصف أمر وضع نظام ضريبي على مَن يحقق المليارات من ثروة الوطن بأنه "عرقلة القطاع الخاص"، الذي يكنز المليارات في الخارج، ويدفع عنها ضريبة تصل إلى 30 في المئة لأصحاب العيون الزرقاء و"المشخطة"، فيما يرفض أن يسدد لوطنه شيئاً!سعادة الرئيس الغانم؛ التساؤل الذي طرحته عن الفرق بين المواطن الكويتي ونظيريه الألماني والياباني يحتاج إلى عشرات المقالات عن تداول السلطة والديمقراطية وحماية المنافسة ونزاهة الانتخابات ومراقبة الصرف والمال السياسي في الحملات الانتخابية ومكافحة الفساد والفصل بين الحكم والتجارة ومنح المناصب لأصحاب الكفاءة والتأهيل الأفضل... إلخ، لكنني أعتقد أن تساؤلك مستحق، وسيظل مادة دسمة لنقاش عام مفيد على وسائل التواصل الاجتماعي لشهور طويلة مقبلة ربما يسهم في إصلاح الأوضاع الحالية.