الحماس الأهوج لسياسة ترامب
لماذا هذا الحماس لتهديد ووعيد الرئيس ترامب بإلغاء صفقة الاتفاق النووي مع إيران؟ حتى الدول الحليفة التقليدية للولايات المتحدة، وهي الدول الأوروبية الكبرى، ممثلة في رئيسة وزراء المملكة المتحدة "مي"، والمستشارة الألمانية ميركل، والرئيس الفرنسي ماكرون، كلهم عبروا عن رفضهم لسياسة ترامب العنترية نحو إيران. الصين وروسيا أيضاً، وهما من الدول الموقعة على الاتفاق، رفضتا التهديد بإلغاء الاتفاق، ونصحتا الولايات المتحدة بالتعقل.الاتفاق ليس ثنائياً بين الولايات المتحدة والجمهورية الإيرانية، بل يشمل الدول السابق ذكرها، فكيف لدولة واحدة أن تستقل بنقضه، إلا إذا سميناه "بلطجة" دولية، وهذا ليس بجديد على الدولة العظمى والأقوى في العالم، فتاريخها منذ بروزها كالدولة الإمبريالية الأقوى المهيمنة في العالم بعد الحرب العالمية الأولى هو تاريخ حافل بخرق قواعد ومعايير القانون الدولي متى تناقضت مع المصالح الأميركية، "أميركا أولاً" ليس شعاراً جديداً إنما هو قديم وترجمه ترامب بوضوح دون لبس، واليوم إيران تذكر الولايات المتحدة بأن خرقها للاتفاق سيعني أن الدولة الأميركية لن تكون لها مصداقية في سياستها الخارجية، من سيكترث لهذه الحجة الإيرانية، الولايات المتحدة مزقت حكم محكمة العدل الدولية في عهد ريغان، بعد أن دان دعمها لقوات الكونترا في نيكاراغوا في منتصف الثمانينيات!
لا يوجد أي دليل على خرق الجانب الإيراني للاتفاق، وهذا ليس من شأن إدارة ترامب، التي تريد حظر تطوير الصواريخ الإيرانية بعيدة المدى التي قد تصل إلى إسرائيل، وهي الدولة الأكثر حماساً لإلغاء الاتفاق وضرب إيران، وترامب يريد أن تكف إيران عن تدخلاتها في المنطقة، لكن بمنطق التهديد الذي يمارسه الآن يدفع القوى المتشددة داخل الجمهورية الإيرانية لتكون صاحبة الصوت الأقوى، ولن يجلب هذا السلام في المنطقة، بل سيزيد حجج المتشددين الإيرانيين في التدخل، واليمن "الحزين" بمجاعاته ودماره هو من يدفع الثمن الأغلى.لدينا من المتحمسين لضرب أميركا لإيران أكثر ممن هم في الإدارة الأميركية ذاتها، وزارة الخارجية الأميركية ومعها وزارة الدفاع نصحتا بالتهدئة، لكن عندنا بالمنطقة ملوكاً أكثر من الملك، فما العمل؟!صب الزيت الأميركي على منطقة الخليج الملتهبة سيدفع بالمزيد من صفقات السلاح، وتعميق الحرب الباردة في المنطقة، وهذا سيعني تجفيف ما تبقى من أرصدة مالية في دولنا لمصلحة حفنة من وكلاء السلاح، كذلك تعد المبالغة في مخاطر التهديد الإيراني للمنطقة، كما تريد السياسة الأميركية، وسيلة مثلى لإشغال شعوب المنطقة عن همومها الكبرى، وصرف نظرها عن واقعها ومستقبلها، فأين العقل والحصافة الآن بكل هذا؟!