مرافعة : استقلال القضاء... المطالبة والخلل!
مع اقتراب بدء دور الانعقاد الجديد لمجلس الأمة، أرجو من النواب النظر في مشروع قانون استقلال القضاء ماليا وإداريا، المقدم من الحكومة السابقة، أو الاقتراحات بقوانين المقدمة من عدد من النواب، لما له من اهمية كبيرة في تحقيق مطالب القضاة، وأبرزها تقاعد القضاة ومكافأة نهاية الخدمة وإقرار التأمين الصحي وصندوق الضمان الاجتماعي ومنع التفرد في أمر تعيينهم وترقيتهم وإبعاد الوصاية الإدارية.والمطالبات بإقرار قانون استقلال القضاء إداريا وماليا بدأت من بعد أن تولى المستشار راشد الحماد رئاسة المجلس الاعلى للقضاء في 2005، فوزارة العدل 2009، ثم تقدم بها النائب السابق حسين الحريتي باقتراح بقانون عام 2008، ثم استمرت المطالبات بها من رؤساء مجالس القضاء كالمستشار يوسف غنام الرشيد، فالمستشار فيصل المرشد، وأخيرا الرئيس الحالي المستشار يوسف المطاوعة.والاستقلال المالي والإداري للقضاء عن وزارة العدل لا يعني أن القضاء لا يتمتع بالاستقلال، فالقاضي مستقل بأحكامه ولا سلطان عليه، وهذا أمر يقرره الدستور بحكم المادة 163 منه، التي تؤكد ايضا أن القانون يكفل استقلال القضاء ويبين ضمانات القضاة والاحكام الخاصة بهم وأحوال عدم قابليتهم للعزل.
والمعنى العملي لمفهوم استقلال القضاء اداريا وماليا هو تولي القضاء، ممثلا بأمانة عامة تتبع المجلس الاعلى للقضاء، إدارة الشأن الاداري والمالي، وسبق أن وافق القضاء في عهد المستشار فيصل المرشد بأن ينتدب وكيل مساعد بوزارة العدل لإدارة الشأن الاداري، وآخر من وزارة المالية لتولي الشأن المالي، تأكيدا لمبدأ المساءلة الذي يرى البعض أنه يمثل عائقا نحو تحقيق هذا الاستقلال. وبالتالي فإن الحديث عن الاستقلال أقرب ما يكون إلى تخصيص أجهزة أو إدارات تملك الصلاحيات الادارية والمالية، تحت اشراف أمانة عامة تتبع المجلس الاعلى للقضاء، شأن الأمانة العامة لمجلس الوزراء أو الامانة العامة لمجلس الأمة، لاسيما أن وجود تلك الامانة مسألة طبيعية جراء التوسع الذي تعيشه السلطة القضائية في ظل ازدياد عدد المنتسبين اليها.ولذلك، فإن الحديث عن وجود استحالة في تحقيق أمر المطالبة باستقلال القضاء ماليا وإداريا أمر مبالغ فيه، فكل ما يطمح اليه رجال القضاء هو تمتع مجلس القضاء بصلاحيات مجلس الخدمة المدنية التي أوردها مشروع الحكومة الأخير، والذي حظي بتفاهم كبير بين القضاء والحكومة، وهو أمر ليس ببدعة، فقد وردت تلك الصلاحيات بقانون هيئة اسواق المال وهيئة مكافحة الفساد، ولم يُثر أمر مخالفة تلك الجهات للدستور، فلماذا يثار الأمر بالنسبة إلى القضاء؟أما الاستقلال المالي فهو أمر لا يهم السلطة القضائية كثيرا، كما قال المستشار فيصل المرشد في حديث سابق له «إننا مؤتمنون على رقاب الناس وأموالهم وأعراضهم، فكيف لا نؤتمن على الأموال، ومع ذلك فالقضاء لا يمانع أن يندب أحد المسؤولين لتولي منصب الامين العام المساعد للشؤون المالية ويتبع وزارة المالية»، وذلك كرد على اي مخالفات أو شبهات تثار في هذا الأمر.كما أنه لا غرابة ايضا من وقوع أي مخالفات ادارية أو مالية من الأمانة العامة لمجلس القضاء، لأنها جهاز إداري، وما يصدر عنه ليس بحكم قضائي حتى يتم تنزيهه، وأن من ينتدب من القضاة يمارس عملا اداريا لا قضائيا، ولو سلمنا جدلا بنظرية إبعاد القضاة عن كل التعاملات الادارية والمالية لنجنبهم باب المساءلة الجنائية والقانونية فمن باب اولى ابعادهم عن إدارة رئاسة مجلس القضاء ورئاسة المحاكم وإدارة معهد القضاء ورئاسة الادارة العامة للتنفيذ، فهم يصدرون قرارات ويوقعون على سندات صرف وشيكات، وأقيمت بصفتهم دعاوى تعويض لفقد ادارات التنفيذ ملفات، ولم يتحدث احد عن تعارض أو مخالفة دستورية!