الرئيس الأميركي دونالد ترامب، من حيث يشعر أو لا يشعر، يجر الولايات المتحدة كقوة عظمى ومهيمنة على قطاع واسع من العالم إلى مزيد من العزلة والفشل الدبلوماسي، وذلك عبر تصريحاته المتهورة وسلوكه الأرعن، سواءً في سياساته الداخلية أو الخارجية، ففكر الرجل وعقدته الرئيسة لا يتعديان كلمتين ارتبطتا بخطبه إبان حملته الانتخابية كرئيس دولة، وهما الوظائف (Jobs) والمليارات (Billions)، وبسبب تصرفاته البليدة خسر ترامب مواطنيه في الدرجة الأولى، حيث أصبح أول رئيس أميركي تقل شعبيته عن 40% وهو لم يكمل سنة واحدة في البيت الأبيض، وفقد العديد من كبار موظفيه في الداخل وحلفائه الرئيسيين حول العالم وفي مقدمتهم أوروبا الغربية.ترامب بشخصيته وتصرفاته يشبه الطالب "التختوخ" الذي يلتحق بالصف متأخراً، ويشعر أنه منبوذ ومحل سخرية من الجميع، ولذلك يحاول إثبات وجوده ولو ببعض الحركات الغبية أو التحرش بمن هو أصغر منه، أو برفع صوته بالصراخ وإظهار علامات الغضب والزعل.
هذه التصرفات بالتأكيد لا تليق بأحد على مستوى الأداء السياسي العالمي والمعادلات الدولية وموازين القوة فيها، واستراتيجياتها المتداخلة والمعقدة لا تتحمل مثل هذه البهلوانيات غير المدروسة، ودق طبول الحرب بشكل منفرد، حتى في الخلاف مع المؤسسات الأميركية ذاتها كالكونغرس والبنتاغون وجهاز المخابرات المركزية والخارجية، فهي ليست نزهة لشخص يريد أن يوصل رسالة واحدة مفادها أني هنا!الرئيس ترامب كان يريد حرباً مع سورية وفشل، وهدّد بمسح كوريا الشمالية ثم تراجع، وأعلن الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران وبعد يومين فقط وضع وزير خارجيته في وجه المدفع ليقول ما كان قصدي "جذي"! ورجل البيت الأبيض وبدون مقدمات ينسلخ من اتفاقية باريس للتغيير المناخي التي وقعتها كل الدول على الكرة الأرضية، وينسحب من منظمة اليونسكو للثقافة والعلوم في الأمم المتحدة بشكل يثير الشفقة، ويهدد بترك حلف شمال الأطلسي (الناتو) مبتزاً أصدقاءه الأوروبيين لدفع المزيد من الأموال!ترامب الأعجوبة لم يكتف باستعراض بطولاته إلى هذا الحد، بل راح يتحرش بالصين ثم روسيا في توقيت غريب، حيث بكين وموسكو تعيشان أفضل حالات التفاهم السياسي والاستراتيجي على المسرح الدولي.بعد هذه الخريطة السياسية لعقيدة ترامب ثمة مفارقة عجيبة، وهي أن خصومه ومن هددهم ووعد بتحجيمهم هم اليوم الأقوى، ويحققون أهدافهم السياسية تباعاً، ويسجلون مكاسب ميدانية على الأرض رغماً عن أنف الرئيس، ودون أن يدفعوا للملياردير الأميركي فلساً واحداً، في حين العرب الذين أكرموه بمئات المليارات من الدولارات هم الأكثر تهديداً والأقل أمناً، وباتوا على مشارف الفرقة سياسياً، وهم يعيشون أسوأ أوضاعهم الاقتصادية، وكل ذلك بفضل الرئيس التختوخ!
مقالات
الرئيس «التختوخ»!
17-10-2017