اللاجدوى في عبث السياسة

أساس أدب العبث كمسرح أو قصص هو فلسفة اللاجدوى من الحياة، أو غياب المعنى للوجود، فمن منظور دنيوي بحت أسئلة عن الهدف من وجودنا، وأي حكمة نجدها في أن نولد ونحيا بسعادة أو شقاء، ثم نموت، هي المهيمنة في ثقافة العبث، هكذا نجد الخيبة وغياب الرجاء في معظم كتابات الأدب العبثي، مثل التشيكي كافكا، والأيرلندي صموئيل بيكيت، والإنكليزي هارولد بنتر، والفرنسيين مثل البير كامو وجان جينيه ويوجين يونسكو (روماني الأصل)، في مسرحية الأخير "قاتل بلا كراء" أو السفاح بترجمة حمادة إبراهيم، يحاول أن يتحدى بطل المسرحية "بيرانجيه" السفاح المجهول الذي يخطف أرواح الناس بلا رحمة، ولكن في النهاية يخضع البطل لقدره ويسلم رقبته للسفاح المجهول الذي لم يعد مجهولاً فهو الموت.

لنغلق الآن أدب العبث وننظر في واقعنا الكويتي، ونتذكر ونمد بالذاكرة للوراء ولعشرات السنين، ونسأل عن عدد الكتابات والدراسات الناقدة التي تنصح وتسلط الضوء على مواضع الخلل والفساد في أجهزة الدولة وفي إدارتها. نقلت قبل أيام مقالاً للراحل محمد مساعد الصالح يتكلم عن "يأسه المبكر"، وعدم جدوى كل الكتابات التي امتدت لأكثر من نصف قرن، في تغيير أو حتى مجرد التأثير البسيط على الواقع السياسي والاقتصادي، غير محمد مساعد هناك العشرات من الكتاب وآلاف المقالات الناقدة، وهي طبعاً مقيدة بحدود الممكن الذي تقبله السلطة بمضض أو اللااكتراث، فبماذا انتهت وكيف انتهينا بعدها...؟! لا شيء.

على سبيل المثال كم مرة كتب جاسم السعدون عن مأزق الاقتصاد والمالية قبل وبعد سقوط برميل النفط؟ فماذا صنعت الحكومة والحكومات وحتى مجالسها النيابية التي فصلتها السلطة على مقاسها...؟ لا شيء! وكم مرة نشتكي من غول البيروقراطية والفساد والتواكل في الجهاز الإداري، الذي يفترض أن يخدم السكان، وآخرها مقال ابتهال الخطيب "سرداب"، الذي تتحدث فيه عن معاناة مواطنة مع الجهاز الصحي، ولحظات العذاب التي تجدها في لامبالاة عدد من الموظفين، وتحلقهم حول جلسات الشاي والبسكويت، (وهذا تقدم إداري من جلسات سندويشات الفول والفلافل)، فهل نتوقع أن يحدث أمر ما يهز المياه الآسنة في هذه الإدارة أو غيرها؟ لا أحد يتوقع شيئاً.

أتذكر في بداية التسعينيات وإزاء أول أزمة نفط عابرة (أزمتنا اليوم مع البرميل دائمة ومتدهورة وليست عرضية) كتبت عدة مرات عن ضرورة الإصلاح الاقتصادي، وترجمت مقاطع من كتابات أجنبية تتحدث عن إجازة الاقتصاد والسياسة في دولنا، ولو سردنا القليل من هذه المقالات فلن ننتهي، فبماذا انتهينا بعد ربع قرن من المراوحة في المكان ذاته...؟! أيضاً لا شيء... في النهاية لا يحدث سياسياً غير الزج بالسجن لمن يتجاوز الخطوط الحمراء عند المغردين حين ينسون أنفسهم بالنقد من جهة، ومن جهة أخرى المزيد من قوانين وإجراءات القمع، ونختم الأمر بكلمة اللاجدوى.

هنا في الكويت ومن في حكمها تتحقق حالة العبث السياسي بمعني الكلمة، في الأدب يعتبر مسرح وقصص العبث أدباً فلسفياً رفيعاً، بينما في السياسة هي حالة قرف مزمنة حين يصبح المطلوب من البشر أن يكونوا كلهم مثل "بيرانجيه"، يحاولون مصارعة قدرهم مع السلطات، ولكن في النهاية عليهم الخضوع لها، بمعنى أن نرضى بسيفوه للأبد، فلا جدوى معه ومعهم... ويا حسرة.