دورات غير متخصصة!
الصديق العزيز الكاتب المسرحي عبدالعزيز السريع، كتب مغرداً على صفحته بـ"تويتر" مستغرباً: "هناك ظاهرة لافتة بالدعوة لإقامة دورات في مهارات إعلامية أو أدبية أو اقتصادية أو ثقافية عامة لجهات غير مرخصة، وبمقابل مادي، ومن شبان بلا خبرة!". وأضاف في تغريدة ثانية، متسائلاً: "مَن المسؤول عن انتشار ظاهرة دورات المهارات التي يقدمها بعض الشبان الذين لا يملكون الخبرة الكافية؟ ألا توجد جهة مختصة بإصدار التراخيص المشروطة؟".تساؤل الصديق عبدالعزيز يبدو مشروعاً ومستحقاً، فقد غدا واضحاً كثرة الدورات التي يُعلن عنها في كل يوم، وفي مختلف التخصصات، وفي كثير من مؤسسات الدولة الرسمية والأهلية. وإذا كانت خبرة البعض العلمية والعملية ونتاجه البيّن وخبرته في مجال تخصصه تؤهله تماما لتقديم مثل هذه الدورات، وبما يشكِّل إضافة مهمة للمتدربين، فإن ظهور البعض الآخر يبدو نشازاً ومثار تساؤل واستغراب، إن على مستوى إقدام الشخص نفسه على تقديم الدورة، أو على مستوى قبول وتنظيم مؤسسة رسمية أو أهلية لتلك الدورة، دون أن تكلف نفسها البحث في سيرة الشخص العلمية والعملية، والنظر إذا ما كان مؤهلاً لذلك. فقيام شخص بتقديم دورة تدريبية لدى جهة ما، هو إعلان عن الجهة، قبل أن يكون عن الشخص. فالجمهور المختص يعرف ويثق بالجهة أكثر مما يعرف ويثق بالشخص. وبالتالي، فإن إقدام المؤسسة على التعاقد مع هذا الشخص يضع المؤسسة، وقبل أي جهة أخرى، في دائرة التساؤل، ويطرح سؤالاً بسيطاً: هل تعرف المؤسسة مع مَن تتعامل أم لا؟ فإن كانت تعرف وتتعامل مع أشخاص غير مؤهلين وغير أكفاء، فهذا بؤس مخيِّب للآمال، وإن كانت لا تعرف، فهذا بؤس آخر!
انتشار شبكات التواصل الاجتماعي، وتحديداً بين فئات الشباب، سهَّل كثيراً قضية الإعلان، وصار بإمكان أي شخص الإعلان عن إقامة ورشة أو دورة تخصّه، ووحده هو مَن يحدد المبلغ المطلوب للقبول، ويصيغ منطوق شهادات التخرج لمن حضر وأكمل الدورة... كل شيء يثير الاستغراب! فليس من جهة تنظم أو تمنع قيام هذا التخبط المخجل! الحديث عن سلوك الأشخاص يبدو متشعباً ومنفلتاً تصعب السيطرة عليه، لكن يأخذ الحديث بُعداً آخر في ضرورة قيام المؤسسات الرسمية والأهلية بوضع معايير علمية وعملية واضحة لمن يمكنه إعطاء الدورات أو الورش. معايير تنظر في الشهادات العلمية والنتاج الشخصي، وأخيراً الخبرة. فلا يصح أن تسمح مؤسسة معروفة؛ رسمية أو أهلية، لشخص بتقديم دورة في الكتابة المسرحية، على سبيل المثال، ولم يسبق لهذا الشخص أن كتب أو نشر مسرحية واحدة! أو كان مخرِجاً لأي عمل مسرحي! والمثال يصحّ في أن تفتح مؤسسة أخرى صالة مسرحها لشخص ليقدم دورة في فن الرسم بالألوان المائية، فيما الأستاذ المحاضر لم يسبق له أن عرض على الجمهور لوحة واحدة بالألوان المائية من عمله، أو أنه شارك في معرض شخصي أو جماعي، وأخيراً كأن يكون حاز جائزة في هذا مجال الرسم.ما يثير الضيق أكثر، حينما تكون هذه الدورات والورش موجهة للأطفال. فمن المفروض أن يكون التوجه إلى الأطفال مدروساً يتوخى الحرص في تقديم المعلومة العلمية والاجتماعية بشكل صحيح وبقالب مقبول.السعي إلى الربح هدف مشروع لا خلاف عليه، لكن أن يمرَّ هذا الربح فوق عقول الصغار والكبار، فهذا شيء مرفوض. فلا يصح أن يصبح مجال التعليم والتدريب والورش باب رزقٍ وتكسب لمن لا عمل له. ولا يصح أن تسمح مؤسسات رسمية وأهلية وتحت سمع وبصر الجميع بممارسة هذه التخبط، وربما جاء الوقت لأن تكون هناك ضوابط تحد من هذه الظاهرة البائسة!