في زيارتي الأخيرة للعاصمة الصومالية مقديشيو، كانت الأمور تبدو هادئة، والهدوء نسبي على أية حال. الفندق الذي أقمنا فيه، كان عبارة عن قلعة من الحواجز والحمايات الأسمنتية المتعددة الأشكال والأحجام. خروجنا ودخولنا بحماية مسلحة، غير مريحة. لفت انتباهي خلف الفندق مباشرة إقامة حديقة صغيرة تحتوي على ألعاب أطفال. إلا أنها على صغرها كانت تغص بالناس الذين كانوا يبحثون عن وسيلة تسلية، أي وسيلة، لهم ولأطفالهم. قضيت وقتاً طويلاً من شرفة غرفتي أراقب لعب الأطفال وسعادتهم وابتساماتهم، وضحكاتهم، لمنشط لم يألفوه، اللعب في الخارج، فأي جريمة ارتكبوها في ذلك؟ كنت أستشعر أن هناك أفاعي تترقبنا، في ذلك المطعم البحري الجميل على أطراف المدينة، كانت الناس تعبث بموج البحر وكأنها تودع السلاح وتستقبل رائحة السمك المشوي، وأي جريمة في ذاك؟غادرنا مقديشيو وصورة "الهدوء النسبي" عالقة بالذهن، أضفت لها "مشوب بالحذر".
كان الأمل أن تنطلق مسيرة ما، في الصومال، أي مسيرة كانت، توقف نزيف دم الأبرياء. ما بعد مغادرتنا مقديشيو، لم تعزز الأنباء القادمة من ذلك البلد المتعب، تفوق النسبي، هدوءاً كان أو غير ذلك، فكان خبر تفجير مدو للحديقة الخلفية للفندق، وتناثر أشلاء أطفال على ألعابهم المهترئة، فكانت جريمة وأي جريمة كانت. جاء الخبر اللاحق بتفجير في المطعم البحري، فتوقف الشواء، وسقط الهواء عن العابثين بموج البحر.لم تتوقف العملية السياسية، فجرت انتخابات رئاسية فاز فيها من كان يظن أنه أقل حظوة، وخسر الانتخابات من كان لديه الدعم والنفوذ، فقلنا لعلها بادرة خير، يتفوق فيها الهدوء النسبي ويتراجع الحذر، ومازالت العملية تدور، لعل وعسى. بالأمس القريب جاءنا خبر أكبر تفجير يهز الحي غير الهادئ، والمدينة المتعبة بالجراح، والألم، ونزيف دماء الأبرياء المستمر. تفجير قضى على المئات من الأبرياء، وجرح الأبرياء، ومازال العد مستمراً، أنت حي أم ميت، لم يعد هناك فرق.فهل هناك قيمة لهذه الدماء؟ وهل تتحول يوماً إلى قوة دافعة لكي تستعيد الحياة طبيعتها، في حدودها الدنيا، أطفال يلعبون، بحديقة صغيرة، ونساء ورجال يعبثون بموج البحر، ورائحة شواء سمك طازج على ساحل البحر الجميل.
أخر كلام
جريمة في حي غير هادئ
18-10-2017