الأغلبية الصامتة: مجتمع بلا حراك
الحلم تحقق، أيام كاملة تمضي بلا تأثر أو تأثير، أخبار كارثية تُنشر بتفاصيلها وكتبها الرسمية وحواس الغضب البشري صارت "بيجرا" يستقبل ولا يرسل، برلمان موجود لكنه غير موجود، وإن حكى فلأجل حماية الحكومة من الشعب لا العكس.هذه مرحلة تاريخية خطيرة تتجلى فيها الرغبة في عدم وجود رغبة في التفاعل، فلو كان الوضع طبيعيا لرأينا تداعيات أخبار الفساد والمفسدين تسير بصورة مختلفة عما هو حاصل الآن، أو على الأقل لوجدنا الحساب أكثر شدة لمن وعدوا وأخلفوا في أسعار البنزين وعودة الجناسي، ولكن يبدو أن الناس كرهوا التفاعل مع ما لا يتقاطع مع مصالحهم الشخصية المباشرة، لذا نرى تحركاتهم ضد تطبيق نظام "البصمة" مثلا تتم بشكل معزول ومتفرق وبالطبع بدون أي تأثير.ربما شعرت أطراف كثيرة بالإنهاك من رحلة طويلة في الحراك السياسي "مع" و"ضد"، ربما خاف البعض وارتعش من عصا "الجناسي" فآثر تأدية دور سمكة الزينة، ربما مل البعض من لبس ثوب لم يكن ثوبه يوماً، ويتحين الفرص حتى أتته أخيراً ليخلع ما "ضاق وطال عليه"، ربما تبدل الأشخاص ساهم في تبدل المواقف، وربما فعلت "النكبات" فعلها فجعلت من كان يهذي مع الحكومة يهذي ضدها، والهش الخفيف قلَب وتقلب عدة مرات حتى أصبح أضحوكة زماننا، والزمان الذي يليه.
كثيرة هي "الربما" ولكن منذ متى صارت الناس لا تحتضن الرأي المعارض؟ لا أعني هنا تقديم الدعم والمساندة لشخصيات معروف عنها معارضة الحكومة، ولكنني أعنى تبني الرأي المعارض والدفاع عنه حتى النهاية، ربما يقول قائل ألسنا مشهورين "بالتحلطم"؟ أقول نعم، وساحة "تويتر" خير شاهد، وأنا أسأله: ما الأثر والتأثير على دوائر اتخاذ القرار؟ وكم مدة "التحلطم"؟ وهل تستطيع قضية مصيرية مثل الإسكان قادرة على الصمود في وجه تغريدة طائفية أو مقطع عنصري؟ النتيجة محسومة لصالح التفاهة والمعارك المكررة المكرورة المملة.لقد ضُرب العمل الجماعي المنظم في مقتل، وانتشرت حالة من اليأس العام، تغذت لسنوات على نماذج مسيئة للعمل السياسي والبرلماني، ونجحت في تأدية أدوار الإصلاح ونظافة اليد حتى وصلت إلى مبتغاها، وهو تحقيق الثروة "للحافي المنتف"، وتضخيمها للتاجر الطامح إلى المزيد من الثروة والنفوذ، وقد تكرر حل مجلس الأمة مرات عدة وأبطل مرتين وأجريت الانتخابات بلا عدد، والناس المتفاعلة– سابقا- تبدلت وتغيرت وفق ما تيسر لها من وعي ودوافع، والحصيلة تذهب في خانة الإحباط، لقد جرحت تلك النماذج المسيئة الناس وخذلتهم، وهي من كرست ثقافة شعبية ملخصها: "كلهم حرامية"، "كلهم كذابين".برأيي هذا هو الحلم الحكومي قد تحقق فيما يخص ما يسمى غياب ضغط الرأي العام، أما فيما يخص العمل السياسي فقد نجحت الحكومة بإرجاعه للزمن الذي سبق حملة "نبيها خمسة" عام 2006، محجما داخل أسوار مختبر معقم محسوب النتائج اسمه مجلس الأمة.