تساؤلات عن مستقبل العلاقات الأميركية - التركية
خطاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي أعلن فيه استراتيجية إدارته تجاه إيران، لم يحجب حجم «الغضب» السياسي الذي يشعر به أركان إدارته، سياسيين وعسكريين، من الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.فالنصائح التي أسديت والضغوط التي مارسها فريق الحكم الثلاثي المتمثل بوزير الدفاع جيم ماتيس ووزير الخارجية ريكس تيلرسون وكبير موظفي البيت الأبيض جون كيلي، نجحت في إقناع الرئيس ترامب بتغيير بعض مضامين خطابه العنيف الأسبوع الماضي، عندما سحبت منه فقرة تصنيف «الحرس الثوري الإيراني» منظمة إرهابية، واستبدالها بعقوبات شديدة، لأسباب لها علاقة بمصالح سياسية وأمنية استراتيجية، بحسب أوساط سياسية مطلعة.لكن الثلاثي المذكور قد لا ينجح في تخفيف غضب يتشاركه أصلاً مع ترامب تجاه تركيا، إذ يسود الاعتقاد بأن إردوغان قد تجاوز العديد من الخطوط الحمر، عندما حوّل علاقته بحليفه «الاستراتيجي» إلى علاقة ابتزاز، وحوّل عدداً من الرعايا الأميركيين أو العاملين في مؤسسات أميركية داخل تركيا إلى رهائن.
وتتحدث أوساط عدة عن استعداد لجان في الكونغرس الأميركي، لعقد جلسات استماع خاصة حول تركيا، سواء بإيحاء من إدارة ترامب أو من قيادات في الكونغرس، بعدما بالغ الرئيس التركي في مواقفه السياسية واتهاماته لواشنطن بأنها وقفت أو غطّت محاولة الانقلاب الفاشلة التي جرت العام الماضي.فشل الحكومة التركية في تقديم أدلة حقيقية دامغة عن تورط الداعية فتح الله غولن، الذي يعيش في منفاه الاختياري في ولاية بنسلفانيا، في هذا الانقلاب، ردت عليه أنقرة أخيراً باعتقال قس أميركي وعدد من الأميركيين، فضلاً عن اعتقال العديد من الموظفين الأتراك في قنصليات الولايات المتحدة، مشترطة مبادلتهم بغولن. كما أن «أزمة التأشيرات» التي فاجأت أنقرة وتسببت بتهاوي أسواق المال التركية، فتحت الباب على نقاش قضايا أكثر استراتيجية بين البلدين، ليس أقلها طرح قضية سحب نحو 50 صاروخاً نووياً تكتيكاً تنشرها الولايات المتحدة منذ أكثر من ثلاثة عقود في قواعد في تركيا، من بينها أنجرليك الاستراتيجية القريبة من الحدود مع سورية. أوساط في وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) بدأت تتحدث صراحة عن هذا الموضوع، خصوصاً بعد توقيع تركيا اتفاقاً مع روسيا على شراء منظومة الدفاع الجوي الصاروخية «إس 400».وأبدت دول عدة في حلف الأطلسي استغرابها أيضاً من سلوك أنقرة، مشيرة إلى أن تلك المنظومة لا تتلاءم مع أجهزة الدفاع الغربية كلياً.وتقول اوساط إن الرئيس ترامب كان لايزال ينظر إلى إردوغان على انه «حليف وصديق تقف بلاده في تقاطع إقليمي خطر ومعقد»، لكن اعتقال رجل الأعمال التركي الإيراني الأصل رضا زرّاب وبدء محاكمته في الولايات المتحدة، بسبب خرقه للعقوبات المفروضة على إيران والصفقات غير المشروعة التي قام بها، خصوصاً في قضايا التسلح، وكشفه خلال التحقيق معه الكثير من المعلومات المتعلقة بتركيا، غيّرت المزاج العام داخل إدارة ترامب ومجلس الشيوخ على السواء.مجلس الشيوخ ووزارة العدل طالبا أيضاً بتوقيف وزير الاقتصاد التركي السابق، لدوره أيضاً في قضية تجاوز العقوبات الأميركية على إيران، على خلفية ما أدلي به رضا زرّاب من معلومات.لكن ما جرى بعد بدء دخول القوات التركية إلى محافظة إدلب السورية، بمعية ومرافقة مسلحي «هيئة تحرير الشام» بقيادة «جبهة النصرة» سابقاً، شكّل مفاجأة وصدمة إضافية لكل من إدارة البيت الأبيض و«البنتاغون». وتعتقد أوساط عدة بأن الأمور في مناطق شمال وشرق سورية قد تأخذ منحى تصعيدياً، مع الانتهاء من تحرير مدينة الرقة، في ظل السباق الجاري بين الأطراف المتورطة في النزاع لرسم خطوط التماس في المناطق التي تنتشر فيها، بعدما بات مؤكداً أن القوات التركية التي دخلت إلى إدلب قد أخذت مواقعها العسكرية في مواجهة مناطق الأكراد، لا «النصرة» أو «داعش».وقال مصدر بوزارة الخارجية التركية أمس، إن مسؤولين أتراكا ووفدا أميركيا زائرا اتفقوا على مواصلة المحادثات للوصول في أقرب وقت ممكن إلى حل لـ»أزمة التأشيرات»، مضيفا أن الطرفين «ناقشا بشكل بناء تشكيل لجنة مشتركة لبحث قضايا قضائية وأمنية».وكان مساعد وزير الخارجية الأميركي جوناثان كوهين عقد أمس اجتماعا مع مساعد مستشار وزارة الخارجية التركية أحمد غون بحثا خلاله مسألة التأشيرات.وقالت الرئاسة التركية، إن المباحثات التركية- الأميركية «تسير إلى الأفضل». وفي وقت سابق، أكد وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو رفض بلاده منذ البداية «الاملاءات والشروط التي لا يمكن قبولها» لرفع تعليق منح تأشيرات الدخول مع الولايات المتحدة.