عيب وألف عيب
معيبة ومخجلة وسواد وجه تلك المطالبات لنواب القومية النفطية بتحميل الوافدين رسوم طرق، ورفع رسم رخص القيادة عليهم إلى مبالغ مرهقة (1200 دينار)، والتي لم تستثن حتى أسنانهم، وقبلها تحميلهم رسوم العلاج، بحجة أن الدول الأجنبية حين يزورها الكويتي لا توفر العلاج، وهذه مغالطة، فالكويتيون يذهبون للسياحة لا للعمل، الذي تشترط الدول المتقدمة أن يكون العامل مؤمّناً عليه كشرط في عقد العمل، وإذا كانت الحكومة راضية ومرتاحة لتلك الدعوات، التي تعفيها من نقد جماعات حقوق الإنسان الدولية (جريدة السياسة عدد الثلاثاء)، حين تحمل نواب "الأنا" الكويتية وزرها، فهي واهمة، فتلك المنظمات والهيئات ليست حفنة من البلهاء لا يدركون أن هذا المجلس بديمقراطية "نص كم" هي نتاج وحيد للسلطة الحكومية، ويتم استعمالها "ممشة زفر" حين تدعو الحاجة إلى ذلك.انتبهوا لما يحدث، الحكومة بأشخاصها ونهجها المفلس تدرك أن هذه الجبايات المالية المطلوبة من الوافدين، وتحميل العامل البائس منهم وزر الهم الاقتصادي الصعب ومسايرة التوجهات الشوفينية الكويتية، لا تهدف إلا لإلهاء الناس عن واقعهم بطريقة الحاوي "أبو الثلاث ورقات"، فتصرفهم عن تحميل الإدارة الحاكمة وزر الفشل السياسي الاقتصادي، فهنا يتم بوعي وإدراك مريضين تحويل السخط الشعبي عن الحال المالي المتردي، ونقل الاستياء من على كاهل السلطة ليتحمله الوافد اليوم، ويصبح الوافدون - بتعبير جريدة السياسة - كيس الضرب المطلوب لتفريغ شحنات الجهل والغضب، وبالتالي تتم تبرئة المسؤول الأول والأخير عن سياسات الفشل المزمنة لحكومات بشوت "الزري" العريض.ترويج حكايات، سواء كانت صحيحة أو لا، عن وافد ووافدين يتسلمون أجوراً خيالية من هيئات حكومية، لا يبرر تحميل كل الوافدين "خمال" مؤسسة أو هيئة ما في تحديد أتعاب وافد خبير تعتقد هذه الهيئة حقيقة أو وهماً أنه مثل هذا الخبير غير متوافر بسوق العمل الكويتي.
الوافد الذي نتحدث عنه هو الطبيب الذي يعالج ابن البلد، هو المدرس الذي يدرس ابن البلد، هو العامل الذي يبني بيت ابن البلد، هو السمكري، هو الممرض، هو الخادم الذي ينظف منزل بيت ابن البلد ويوفر له وجبته المفضلة... هو كل إنسان يقوم بعمل مادي أو ذهني لا يمارسه به ابن البلد في الأغلب، لا بسبب كسل الأخير وعدم قدرته، وإنما بفضل المرض الريعي التواكلي الذي كرسته السلطة على مر عقود طويلة من الزمن النفطي، ومنذ لحظة ولادة حداثة ثقافة أطول عمارة وأكبر مستشفى بناهما وافدون.لماذا هذا الرياء العريض من نواب القومية النفطية، ومن معهم في حكومة اللامبالاة، حين يستثنى الخدم الخصوصيون الذين يشكلون أغلبية الوافدين من الأعباء المالية التي يراد تحميلها للأجانب، وهم قبل ذلك الخدم مستثنون مسبقاً من أحكام قانون العمل في القطاع الأهلي، ومن الحماية والضمانات البسيطة التي يوفرها للعامل؟! هذه العمالة الأجنبية لشريحة خدم المنازل هامشية، بمعنى أنها لا تضيف شيئاً لعملية الإنتاج! لكن، لم يأت هذا الاستثناء من أجل الواجب الإنساني للخدم الفقراء، وإنما، كما ندرك، من أجل إرضاء أرباب العمل في منازلهم وتجنب سخطهم، وحتى تصبح عملية الإلهاء والاسترضاء عن الرداءة الإدارية والسياسية متكاملة.تريدون الشوارع فارغة غير مزدحمة، وتريدون المستشفيات بدون طوابير انتظار؟ بكلام ثان، تريدون تعديل التركيبة السكانية في دولة يشكل الأجانب الأغلبية المعزولة مكانياً واجتماعياً؟! لا توجد مشكلة، رحّلوا الوافدين بقرارات إدارية، التي هي من أعمال السيادة حسب قانون أصحاب السيادة، ودعونا نرى كيف تسير أموركم يا أولياء الكفالات، رجاء كفّوا عن الرياء والمزايدات... طامة البلد اليوم كبيرة جداً، ولا تتحمل هذا التمويه والضحك على الذقون.