6/6 : ليلة بوفضالة
من جديد حلّقت في دار الأوبرا الكويتية الجموع المتلهفة للفرح النبيل والمتعطشة لسماع الطرب الأصيل في أمسية "عبدالله فضالة" الثلاثاء الماضي، واختصرت الأمسية المشبعة بعبق الفن الراقي مسافات الزمن الممتد لمئة وسبعة عشر عاماً، شهدت ميلاد وصعود وتألق ورحيل فنان شامل كان يكتب كلماته بالفصحى والعامية، ويلحنها ويعزفها بشتى الآلات ويغنيها بصوته الحاني، ويترك لنا خمسمئة ابنة لا يَزلن يَعشن بيننا حتى اليوم، وهن عدد أغنياته المطرزة أثواب كل منها بلون وزخارف لحنية ليست كالأخرى، والجامعة من حولهن ألوان الفنون وأطيافها المختلفة بعبقرية الفنان الكفيف، والشادي المتفرد بغنائه وطبقات صوته الشجي، الذي تربّع به على عرش الأغنية الكويتية منذ عشرينيات القرن الماضي ولا يزال.عبدالله بن فضالة إرحمه السليطي كابد يتم الأب، وهو طفل في الرابعة من عمره، وتلقى تحت كنف عمه علوم القرآن الكريم وتميز بها، وكان المسكون بحب الموسيقى منذ أيام طفولته الأولى، فلاحق كل ما يتعلق بالعزف والغناء في بلاده، سماعاً وحضوراً مع أقرانه من عشاق الفن، حتى اقتحم الميدان مؤدياً أشعاره المتدفقة من قريحة ربّانية وبحبال صوتية حباها الله بالجمال، انطلق بها إلى عالم الشهرة والسيادة الفنية كغيره من نجوم عصره في شتى البلاد العربية."عبدالله فضالة" ذلك الاسم العلم، كان عنوان ليلة جمعت أجيال الأربعينيات وما تلاها، وامتلأت قاعة الموسيقى في دار الأوبرا بشباب ربما هم جيل ما بعد الغزو ليستمتعوا بغناء عملاق من عمالقة الفن في بلادهم في بدايات القرن الماضي، والذي رحل ولم يغب، وبقيت أصداء أعماله الغنائية ممتدة ومستمرة بيننا حتى اليوم.
ترافق مع عزف مختارات من أغاني العملاق عبدالله فضالة بأصوات المطربين الشباب (صلاح حمد خليفة وحمد العماري والمطربة الشابة شيماء) وبمصاحبة فرقة أحمد باقر الموسيقية بقيادة المايسترو اللامع د. محمد باقر، شهادات من الأساتذة شادي الخليج ومحمد السنعوسي وأنور عبدالله، أوصلوا لجيل الحاضر ماذا كان عليه فنان الجيل الماضي وعملاقه، فكانت الأمسية عبارة عن اختفاء مستحق لفنان قدير، ووجبة مشبعة هندسها برقي الباحث المتميز الأستاذ فيصل خاجة.شكرٌ يتجدد للقائمين على صرح الكويت الثقافي الشامخ "مركز جابر الأحمد الثقافي"، الذين رطبوا جدب ساحتنا الموسيقية والغنائية الجادة والملتزمة، والذين يجددون بين حفلة وأخرى أمل الحاضر والمستقبل، باستعادة عطاءات الماضي في مجتمعنا الذي سيبقى حيّا، محباً للفرح وكارهاً للعبوس.همسةنأمل من إدارة المركز مراعاة أن تكون تكاليف حضور الناس لأمسياته الثقافية بمقدور جميع طبقات المجتمع، مثلما هو نهج كل دور الأوبرا في العالم المتحضر، لأن الاستمتاع بالفن والثقافة حق للجميع لا للنخب المقتدرة مالياً فحسب.