عندما تتحدث بعض وسائل الإعلام عن نهاية تنظيم "داعش"، أتذكر على الفور قصيدة قديمة لشاعر مصري مشهور اسمه أمل دنقل يقول فيها:"لا تحلموا بعالم سعيد
فخلف كل قيصر يموت، قيصر جديد".ربما تكون انهارت فعلاً دولة "داعش" المزعومة في العراق والشام، لكن هل انتهى تنظيم "داعش" بالفعل؟ وهل يمكن أن نقول إن التحالفات العربية والغربية نجحت في القضاء على تنظيم "داعش" تماماً، الإجابة هي بالقطع لا، ربما يكون انتهى وجوده التنظيمي على أرض الواقع، لكن الفكرة ما زالت باقية، خصوصا مع تحول "داعش" إلى شبكة إرهابية سرية متناثرة عبر المنطقة والعالم.غير أن الإجابة ربما تحتاج إلى تفصيل في ما يلي:ـ هناك مئات، إن لم يكن الآلاف، من عناصر التنظيم استطاعوا أن يفروا من سورية والعراق، إلى أين ذهبوا؟ هناك إجابتان، ربما ذهبوا للقتال في جبهة أخرى، ليبيا على سبيل المثال، أو أنهم عادوا إلى أوطانهم، سواء العربية أو الأجنبية.في التسعينيات وما بعدها عرفنا ما سمي بـ"العائدين من أفغانستان"، وألبانيا، والشيشان، وهؤلاء ظلوا قنابل موقوتة صامتة، تنتظر لحظة الانفجار، لدينا الآن ما يعرف باسم "العائدين من سورية والعراق"، ماذا سنفعل بهم؟اعتمد تنظيم داعش في جميع عملياته في أوروبا على ما يسمى "الذئاب المنفردة"، وهؤلاء ليسوا أعضاء تنظيميين، لكنهم يحملون الفكرة، وهو ما يمثل خطورة كبيرة على كثير من المجتمعات الآمنة.اعتمد التنظيم على الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي كوسيلة سهلة وسريعة للانتشار، وهناك الآن آلاف الصفحات على الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، تحمل فكره ومازالت تستقطب عشرات الأتباع والذئاب المنتشرة الذين ينتظرون اللحظة المناسبة للانفجار.ظل "داعش" يحكم الرقة والموصل قرابة ثلاثة أعوام، وترك خلالها بذورا في أذهان من حكمهم، ولن يكون من السهل محوها، ويجب ألا تعتمد الحكومات على مجرد طرده دون علاج آثاره.أنشأ التنظيم ما كان يسميه "أشبال جيش الخلافة"، وهم أطفال بعضهم لا يتجاوز ثمانية أعوام وعشرة أعوام، كان يدربهم على فكره ويسلحهم ويعلمهم القتال، فضلا عن المدارس التي كان يسيطر عليها ويعلم الأطفال فيها أفكاره، ما مصير هذا الجيش؟ وما مصير هؤلاء الأطفال؟ هناك آلاف الأطفال الذين أنجبهم مقاتلو داعش من "السبايا"، ومن "الأيزيديات"، ومعظمهم قُتل آباؤهم، ولم يبق إلا الأطفال، إما مع أمهات جهاديات، أو أمهات تم اغتصابهن وسبيهن، فكيف ستتعامل الحكومات مع هذه الإشكالية؟في العالم العربي انتقل الفارون من "داعش" إلى ليبيا للقتال، وبعضهم تسلل إلى مصر، وفي أوروبا عاد مئات الدواعش إلى بلادهم عن طريق الدول التي كانت تؤدي دور المحلل، أو حصان طروادة للدخول إلى سورية والخروج منها، حتى في سورية والعراق، بدل الدواعش جلودهم وخرجوا إلى جماعات أخرى بدلت هويتها بتغيير اسمها مثل جبهة النصرة التابعة للقاعدة، التي غيرت اسمها إلى فتح الشام، والغريب أن هذا انطلى على الغرب وعلى الصحافة، أو أرادوا أن ينطلي عليهم الأمر.لا أريد أن أكون متشائماً، لكن ما أود قوله أنه إذا كان هناك العشرات أو المئات أو حتى الآلاف من "داعش" قد قتلوا، فإن ثلاثة أعوام من القتل والقتال لن تنتهي بمجرد السيطرة على الأماكن التي كان يحتلها التنظيم الإرهابي، ولعل السؤال الذهبي هنا هو: أين ذهب اللاعبون القدامى؟اختفى تنظيم القاعدة قليلاً خلال السنوات الماضية تاركا الساحة لـ"داعش"، لكن الأخبار المتواترة تقول إن "القاعدة" يحاول أن يستعيد قواه، بالإضافة إلى ذلك فإن هناك عشرات الجماعات الدينية الصغيرة التي تقاتل في سورية، ربما تنتظر فقط أن تخلو لها مساحة لتثبت ذاتها، خصوصا أن الحرب في سورية قاربت على الانتهاء، لكن الكعكة لم تقسم بعد.وأخيرا، حتى لو انتهت معظم هذه الجماعات، فما دامت هناك دول في الشرق والغرب، تدعم الإرهاب، وتستخدمه لخدمة أغراضها السياسية، فلن ينتهي "داعش" ولن تموت فكرته.ـ الفكرة، اقضوا على "الفكرة" بالتعليم والتنوير ومساعدة أبنائكم، وإلا فلن نحقق إلا نصرا غير مكتمل لا يلبث أن ينقلب إلى هزيمة، فالمهمة لم تنته بعد.
مقالات - اضافات
القضاء على «داعش» مهمة لم تكتمل بعد
21-10-2017