النجف تدعم العبادي وحقوق الأكراد لضبط نفوذ إيران
بغداد تستعيد حدود 2003 بالكامل... وأربيل تقبل الحوار
استكملت القوات العراقية، تقريباً، ظهر أمس، السيطرة على المناطق «المتنازع على إدارتها» بين بغداد وإقليم كردستان، في أطراف نينوى وشمال كركوك، وباتت تبعد عن أربيل نحو 30 كيلومتراً من طرفها الجنوبي، دون حصول مواجهات جدية، ما بات نوعاً من الاتفاق السياسي الذي ضمن انسحاب قوات البيشمركة الكردية، وإعادة نشر الجيش العراقي إلى حدود عام 2003.ودخلت القوات العراقية إلى كركوك فجر الأحد الماضي، في خطوة مفاجئة، واستكملت انتشارها في المطار وقاعدة عسكرية كبيرة للجيش، كما دخلت حقول نفط بابا كركر وباي حسن المهمة، ومناطق في ديالى المحاذية لبغداد، ثم واصلت تقدمها إلى المناطق المختلف على إدارتها، وهو أمر لم يكن يسهل تخيله دون حرب حتى قبل أسبوع.وبعد أن كان المراقبون يتحدثون عن أن الاتفاق تم بين رئيس الحكومة حيدر العبادي وحزب الرئيس السابق جلال طالباني، صار من الواضح أن حزب رئيس الإقليم مسعود البارزاني انخرط في الاتفاق، وأمر قواته بعدم الاشتباك مع الجيش العراقي.
واندلعت الأزمة بين بغداد وكردستان حين أجرى الأكراد استفتاء نهاية الشهر الماضي، صوتوا خلاله لمصلحة حلم الاستقلال التاريخي وإعلان الدولة، واعتبرت بغداد ذلك غير دستوري، وقالت إنها تريد استعادة الأراضي وحقول النفط الكبيرة التي سيطر عليها الأكراد خلال الأعوام الماضية، وسط الحرب مع تنظيم داعش. وأطلق العبادي، عبر مقال نشره في صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، دعوة إلى الحوار وفق الدستور مع الأكراد، وجرى الترحيب بدعوته خلال أول اجتماع يعقده مجلس وزراء حكومة الإقليم، منذ تقدم الجيش، وتكمن أهميته في أنه جمع رئيس الحكومة نيجرفان بارزاني مع نائبه قوباد طالباني ممثلين لأكبر حزبين كرديين.وخرجت المرجعية الدينية في النجف عن صمتها خلال خطبة الجمعة، مؤيدة خطوة الحكومة، ومباركة تعاون القوات الكردية، ودعت إلى الحوار مع «كل الأطراف»، في اعتراض واضح على رغبة طهران، بالتعاون مع حزب الرئيس الراحل طالباني، في تهميش حزب بارزاني في أربيل، وهو تدخل من المرجعية العليا لحماية مواقف متوازنة للعبادي، مقابل تشدد حلفاء طهران الممثلين في رئيس الحكومة السابق نوري المالكي وفصائل الحشد الشعبي المتشددة.وعاشت كركوك وديالى 3 أيام من الهلع، بعد انتشار الميليشيات المقربة من طهران في الأحياء السكنية، لكن العبادي تدارك الأمر، وأعادها إلى بغداد لمنع الاحتكاك مع السكان الأكراد، بينما دفع بجهاز مكافحة الإرهاب ذي السمعة الجيدة ليمسك الأرض هناك بالتعاون مع الشرطة المحلية.وتعاني القوات العراقية نقصاً في العدد، بسبب انتشارها الواسع في شمال العراق وغربه، لإتمام حربها ضد تنظيم داعش، الذي لم يتبق له وجود إلا في جيوب محدودة على حدود الأردن وسورية، وتضطر في كثير من الأحيان إلى الاستعانة بفصائل الحشد الشعبي المقربة من إيران، والتي تثير حساسية عالية أينما انتشرت في مناطق الأكراد والعرب السنّة، لذلك سحب العبادي هذه القطعات من كركوك ومعظم مناطق ديالى، لكنه استعاض عنها بميليشيات تابعة لرجل الدين مقتدى الصدر، الذي يحتفظ حالياً بعلاقة متوازنة مع السنّة والأكراد، ويلقى قبولاً واسعاً كمعارض لنفوذ إيران، خصوصاً منذ زيارته للرياض قبل شهرين، ودعمه المسار المتوازن لحكومة العبادي.ووسط صمت وترقّب كردي واضح، يتابع المراقبون السيناريوهات المقبلة للحوار بين بغداد وإقليم كردستان، لحل الخلاف حول إدارة النفط والأرض، وهو ما يمثل مهمة معقدة جداً بسبب الانقسام داخل البيت الكردي، ويتطلب دوراً دولياً وأميركياً بشكل خاص، للوساطة التي ينبغي أن تخفف محاولة إيران استغلال التوتر العربي - الكردي، ما يمثل مرحلة حاسمة في عملية «تقاسم النفوذ» بين القوى الإقليمية والدولية خلال مرحلة ما بعد «داعش»، مع دعم استقرار حكومة العبادي وآمال بفصل من التهدئة الممكنة المدعومة إقليمياً ودولياً.