في تناولي للحكم الصادر من محكمة النقض في قضية البداري في مقالي المنشور على هذه الصفحة الأحد الماضي تحت هذا العنوان، لم يتسع المقال لبيان الأطروحة الدستورية التي أرساها الحكم في مبدأ الفصل بين السلطات، والتي عبر عنها عنوان المقال، وهي الأسطورة التي ربما لم يتنبه إليها الكثيرون منذ صدور هذا الحكم في عام 1932، فقد انشغلنا جميعا بالصياغة البليغة لمدونات الحكم التي تعتبر آية من آيات الفن والأدب القضائي الرفيع، والتي لم يظفر بها حكم قضائي آخر حتى الآن، ولعله قد آن الأوان للكشف عن مكونات هذه الأسطورة الدستورية في هذا المقال، مكونا إثر مكون، بدءا بمبدأ الفصل بين السلطات ثم استقلال القضاء وحماية العدالة وحقوق الإنسان، في ظل دستور 1923 أو في غيره من الدساتير المعاصرة له التي لم يكن هذا المبدأ فيها مقنناً بالرسوخ الذي أصبحت عليه الآن في الدساتير الحديثة.
مبدأ الفصل بين السلطاتلم يكن مبدأ الفصل بين السلطات منصوصا عليه في دستور 1923 صراحة أو ضمنا، أو كان قد رسخ في النظام الديمقراطي وأصبح جوهر هذا النظام، كما هو عليه الآن، وأصبحت أغلب الدساتير في الدول الديمقراطية تنص عليه باعتباره أحد أهم ضمانات الممارسة الديمقراطية عندما قضت محكمة النقض في عام 1932 بأنها لا حيلة لها في إصلاح الخطأ القضائي الذي وقع في حكم محكمة الجنايات الذي تراقبه، لأنها لا تستطيع ذلك من الوجهة القانونية، فقررت رفض الطعن في الحكم "على مضض" وهو التعبير الذي استخدمته المحكمة، إلا أنها في الوقت ذاته وجهت رسالة قوية إلى أولي الأمر، لإصلاح هذا الخطأ القضائي، وكانت تعني الملك الذي يملك العفو عن العقوبة كما يملك تخفيف العقوبة، وهو ما استجابت له الحكومة واستجاب له الملك وأصدر أمرا ملكيا بتخفيف العقوبة وهو التخفيف الذي طالبت به محكمة النقض في هذه الرسالة.فأرست المحكمة بذلك مبدأ الفصل بين السلطات، فهي تطبق القانون الذي تسنه السلطة التشريعية وفقا للدستور، ولا تملك التغول على اختصاصها بالتوسع في ولايتها، أو على اختصاص السلطة التنفيذية في العفو عن العقوبة أو تخفيفها، الذي تملكه السلطة التنفيذية من خلال ملك البلاد إعمالا لمبدأ الفصل بين السلطات.استقلال القضاءوهو الذي عبرت عنه محكمة النقض بقولها "إنها لا تستطيع من الوجهة القانونية إلا احترام الحكم، رغم ما ثبت لها من خطأ قضائي فيه، ولكنها لا حيلة قانونية في إصلاحه"، فقد حددت المحكمة بهذا الحكم المفهوم الصحيح لاستقلال القضاء بأنه استقلال القاضي على المنصة التي يصدر منها حكمه، لا سلطان عليه لأي جهة في قضائه، فلا يجوز لقاض آخر أن يتدخل في القضايا التي تنظر أمامه، ولو كانت محكمة أعلى منه درجة إلا وفقا للقانون الذي حدد طرق الطعن في الأحكام، حتى أعلى محكمة في البلاد، وهي محكمة النقض، إلا وفقا للقانون وفي حدود ما تملكه من رقابة قانونية على الحكم بموجب القانون الذي أنشأها وحدد اختصاصها.حماية العدالة وتسجل محكمة النقض في حكمها رسالة قوية أخرى تقول فيها إنها وهي ترفض الطعن بالنقض، لأنها لم تجد خطأ قانونيا في الحكم المطعون فيه أمامها، لا تستطيع أن تقف مكتوفة اليدين، لأنها من وجهة العدل والإنصاف تجد من الواجب عليها إراحة لضمائرها، أن تلفت نظر أولي الأمر إلى وجوب تلافي الخطأ القضائي الذي وقع فيه الحكم موضوع الطعن، حماية للعدالة، وشعورا من قضاتها بأنهم مدينون لربهم ولضمائرهم بما يعتقدون أنه الحق والعدل، وهو ما فرض عليهم أن يناشدوا الملك تخفيف العقوبة. يقول المولى عز وجل "وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ". ويقول سبحانه مخاطباً رسوله صلى الله عليه وسلم "وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ"، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "عدل ساعة خير من عبادة ستين سنة".حقوق الإنسانولم تكن حقوق الإنسان قضية المجتمع الدولي كله عند صدور هذا الحكم في عام 1932، ولم يكن التعذيب قضية تثير قلق هذا المجتمع واستياءه واحتجاجه، كما لم يكن العالم كله قرية صغيرة تنتشر فيها الأخبار بسرعة البرق، ويتناقل فيها القاصي والداني كل شاردة وواردة في كل بقعة من بقاع المعمورة، عندما استنكرت محكمة النقض بشدة التعذيب الذي كان يتعرض له القاتل، وأنه أوذي واهتيج ظلما وعدوانا، وانتهكت كرامته وآدميته وحرمة جسده على يد المأمور القتيل أثناء مبيته في المركز، تنفيذاً لقرار أصدره المأمور لمراقبته باعتبارها مشبوها، وأن هذا التعذيب كان يبرر تخفيف العقوبة عليه- في رأي محكمة النقض- لا أخذه بالشدة بدون رحمة أو شفقة، وتوقيع أقصى عقوبة عليه وهي الإعدام، كما فعلت محكمة الجنايات في الحكم الذي أصدرته، وكان موضوع الطعن أمام محكمة النقض وموضوع الخطأ القضائي.شكــوى إلى شركة طيران Air Cairo تلقيت شكوى من السيد رائد حامد إبراهيم أحد ركاب الرحلة رقم (502) بتاريخ 26/ 8/ 2017 من الكويت إلى الإسكندرية وأحد ركاب الرحلة رقم (401) بتاريخ 2 أكتوبر 2017 لدى عودته من الإسكندرية إلى الكويت، آثرت أن أرسلها إلى إدارة العلاقات العامة في الشركة على إيميل الشركة، برجاء الرد على الإيميل الذي أرسلت منه الشكوى أو على الجريدة، ليتبين لنا الحقيقة قبل نشر تفاصيل الشكوى، وذلك حرصا على سمعة الشركة التي نعتز بها.
مقالات
ما قــل ودل: مبدأ الفصل بين السلطات والأخطاء القضائية (2)
22-10-2017