إن كل شخص تابع خطاب الرئيس الصيني شي جينبينغ، خلال الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الوطني التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني، قد وصلته رسالة واضحة وصريحة مفادها أن عصراً جديداً قد بدأ.

ووسط إعلانه أن "الاشتراكية ذات الخصائص الصينية دخلت عصرا جديداً"، بيّن شي أن "التناقض الرئيسي الذي يواجه المجتمع الصيني الذي استمر لـ 36 سنة قد تغير الآن"، موضحاً أن "ما نواجهه حالياً هو التناقض بين حاجة الشعب المتزايدة إلى حياة جميلة، والتنمية غير المتوازنة أو الكافية".

Ad

وأشار الرئيس الصيني الى أن "التوسع المتزايد لحاجة الشعب إلى حياة جميلة لم يطرح فقط مطالب أعلى من الحياة المادية والثقافية فحسب، بل أدى إلى تزايد المطالب المتعلقة بالديمقراطية وحكم القانون والإنصاف والعدالة والأمن والبيئة وغير ذلك من المجالات".

ولفت الى أن "الاختلافات والفروق باتت تظهر واضحة بين مختلف المناطق الصينية بشكل حاد، ما يؤدي إلى ظهور فجوة متزايدة في مستوى الدخل الشخصي بين من يملكون ومن لا يملكون، وهو أمر يشغل بال العامة ولا يجب التغاضي أو السكوت عنه أبدا".

وأكد أنه "سعياً لمعالجة هذا الامر، فإن الحزب الشيوعي الصيني يهدف من خلال سياساته لتحقيق المزيد من التوازن، وتنمية أكثر جودة عبر كل مناطق البلاد والقطاعات، حيث من المتوقع أن يستمر الامر على هذا النحو لبعض الوقت، ليتم تحقيق هذه السياسات والأهداف، وربما حتى يشهد التناقض الرئيسي تحولا جديدا".

لم يكن جينبينغ مقتضبا في كلماته، فقد قال إن الصين ما زالت وستظل لفترات طويلة من الزمن في المرحلة الأولية من الاشتراكية، في حين لم تتغير كذلك المكانة الدولية للصين كأكبر دولة نامية في العالم.

فاستراتيجية الرئيس الصيني التنموية ذات المرحلتين تمتد لـ 30 عاما، بهدف كبير يتمثل بجعل الصين "دولة اشتراكية حديثة قوية"، وذلك بحلول أوساط القرن الحادي والعشرين.

والتناقض الرئيسي هو مصطلح بات أغلب الصينيين معتادين عليه منذ المدارس الابتدائية، إلا أن قلة قليلة فقط من الأجانب والخبراء في الماركسية سيعرفون هذا المصطلح الذي يبدو غامضا عن المصطلحات السياسية السائدة.

ويفسر الماركسيون العالم من خلال ما يعرف بـ الديالكتيك المادي. أما التناقض أو ما يعرف بـ "القوى المتعارضة الديناميكية" فهي تقبع في كل مكان في المجتمع وتقود التغيرات الاجتماعية، وبالتالي فإن "التناقض الرئيسي" هو ما يحدد المجتمع ويُعرّفه. كما أنه، من خلال تعريفه وحله، يتمكن المجتمع من التطور بطريقة سلمية.

ومنذ توليه مقاليد الحكم في عام 1949، عرّف الحزب الشيوعي الصيني التناقض الرئيسي، وكما يتغير الزمن وتتغير التناقضات، وضع الحزب وصاغ سياسات جديدة تتلاءم وتتجاوب بدورها مع تلك المتغيرات.

وفي فترة قصيرة بعد عام 1949، كان التناقض الرئيسي هو: "الشعب ضد قوى الإمبريالية والإقطاعية وفلول الكومينتانغ"، ثم تطور ليصبح فكرياً: "البروليتاريا ضد البرجوازية"، ما قاد إلى فترة طويلة من الاضطراب الاجتماعي عبر عموم أرجاء البلاد.

وفي عام 1981، غيّر الحزب الشيوعي الصيني من تقديراته ورؤيته للتناقض الرئيسي إلى "التناقض بين الاحتياجات المادية والثقافية المتزايدة للشعب والإنتاج المجتمعي المتخلف"، وهو ما يعتبر تحولا سياسيا تاريخيا في قلب الإصلاح والانفتاح.

وبالتالي، فإن تطوير الاقتصاد الذي يتم بشكل رئيسي من خلال النمو كان أمراً صادق الحزب الشيوعي الصيني عليه واعتبره بمثابة "المهمة المركزية"، وأطلق العنان على نحو غير مسبوق لإصلاحات اقتصاد السوق، التي كان ينظر إليها في ذلك الوقت على أنها رصاصة سحرية لتحويل الإنتاج.

ونما الاقتصاد الصيني ليصبح ثاني أكبر اقتصاد بالعالم، وليتوسع بواقع نحو 10 في المئة كل عام، على مدار أكثر من ثلاثة عقود. وأضحت الصين مصنع العالم، وباتت الأسواق تعج بالسلع الاستهلاكية، التي كانت بالكاد ترى في البلاد عام 1981.

وباتت قائمة "صنع في الصين" أطول بكثير اليوم، وأصبحت المنتجات أكثر تطورا وجودة وتشكل كل شيء تقريبا، لتتحول البلاد حاليا إلى مختبر وسوق العالم، حيث برزت شركات الإنترنت العملاقة وسط ازدهار الطلب الاستهلاكي المدعم بأحدث تكنولوجيا للهواتف المحمولة، ما أكد بالتالي أن فترة "تراجع الإنتاج الاجتماعي" قد ولّت إلى غير رجعة أبدا وإلى الأبد، وهذا ما دفع الى تعديل التناقض الرئيسي.