التعليم لا يتطور بالصرف المالي فقط
مهما صرفت من أموال عامة، ومهما عُقدت من مؤتمرات علمية أو قدمت من دراسات مدفوعة الثمن من منظمات عالمية كالبنك الدولي، فإن إصلاح النظام التعليمي وتطويره بشكل جدي كي يواكب روح العصر، ويصبح رافعة حقيقية لعملية التنمية المستدامة لن يتحقق من دون إصلاح المنظومة السياسية.
من الملاحظ أن معظم المطالبات الصادقة التي تنادي بتطوير التعليم تُركّز على الجانب المالي فقط الذي من غير الممكن تجاهل أهميته، ولكنه غير كاف لوحده لتطوير التعليم الذي يعتبر رافعة التنمية الإنسانية. سياسة التعليم، كما ذكرنا من قبل، تضعها وتقرها المنظومة السياسية، ثم تقوم الأجهزة الإدارية للحكومة بعملية تنفيذها، فهل من الممكن أن تضع منظومة سياسية مُتخلفة ينخر فيها الفساد سياسة تعليم متطورة؟ ولو افترضنا جدلاً وجود سياسة تعليمية متطورة، فهل بإمكان أجهزة إدارية مُتخلّفة، يتم تعيين معظم إداراتها العليا بحسب درجة الولاء الشخصي لمتخذ القرار السياسي لا بحسب الكفاءة والجدارة، أن تقوم بتنفيذ السياسة التعليمية بكفاءة عالية؟ من ناحية أخرى، ماذا كان مصير الدراسات العديدة التي سبق أن قدمها زملاء أفاضل من المتخصصين؟ وأين ذهبت توصيات المؤتمرات العلمية، والحلقات الدراسية الكثيرة التي سبق أن عقدت تحت عناوين براقة مثل "استراتيجة التعليم في ربع قرن"؟ ثم ماذا سيفعل البنك الدولي الذي تستعين به الحكومة حاليا من أجل تطوير التعليم أكثر مما قدمه ويقدمه زملاء أفاضل متخصصون "يعرفون البير وغطاه" كما يقول المثل الشعبي، خصوصاً أنه من المعروف أن البنك الدولي ليس لديه سِوى نماذج تعليمية مُستهلَكة سبق تطبيقها في دول أخرى وثبت فشلها، ومعظمها لا تتماشى مع بيئتنا وظروفنا المحلية؟
خلاصة القول أنه مهما صرفت من أموال عامة، ومهما عُقدت من مؤتمرات علمية أو قدمت من دراسات مدفوعة الثمن من منظمات عالمية كالبنك الدولي، فإن إصلاح النظام التعليمي وتطويره بشكل جدي كي يواكب روح العصر، ويصبح رافعة حقيقية لعملية التنمية المستدامة لن يتحقق، كما سبق أن ذكرنا، من دون إصلاح المنظومة السياسية التي من واجباتها وضع سياسة التعليم، ثم إقرارها ضمن الخطة التنموية للدولة، بحيث تقوم الأجهزة الإدراية المتخصصة، فيما بعد، بعملية تنفيذها وذلك تحت رقابة المنظومة السياسية، وتقييمها لمدى تحقيقها لأهدافها. إصلاح المنظومة السياسية هو المهم هنا من أجل تعليم حضاري ومتقدم، وهو الأمر الذي ينبغي أن يُركّز عليه ويُطالب به المهتمون بتطوير التعليم. صحيح أن هناك بعض التحسينات التي يجتهد المخلصون في قطاع التعليم بمستوياته كافة في تحقيقها رغم الظروف الصعبة وهي أعمال مُقدّرة ومطلوبة، من دون أدنى شك، ولكنها، مع الأسف، تبقى مجرد تحسينات أو مسكنات مؤقتة لا تعالج الأسباب الجوهرية التي أدت إلى سوء مخرجات التعليم وتخلفها.