رياح وأوتاد: حرية السخرية من الدين والأنبياء في عيد الأضحى
كتبت أكثر من مرة أنه لا توجد حرية مطلقة في أي دولة من دول العالم، فرغم أن فرنسا التي يسمونها أم الحريات (وهي ليست كذلك) فيها هامش هائل من حرية التعبير والنشر، فإنه يمنع لبس النقاب في شوارعها، كما يمنع لبس الحجاب الإسلامي للرأس في جميع المؤسسات الحكومية فيها، وأيضا تمت محاكمة وتغريم روجيه جارودي بسبب انتقاده لتضخيم وتكبير مذبحة الهولوكوست، ومؤخرا تم سن قانون فرنسي يجرم من ينكر بأي وسيلة من وسائل الإعلام مذبحة الأتراك للأرمن، وهناك أيضا العديد من الأمثلة من دول أخرى في العالم. المشكلة أن عقائد المسلمين ومقدساتهم لا تخضع لهذا التجريم في الغرب بناء على هامش الحرية المزعوم، فاستغل الوضع كل من يريد الطعن في الإسلام ومقدساته كما حدث في مشكلة الرسوم المسيئة في الدنمارك ومشكلة شارلي إيبدو في فرنسا وغيرهما؛ مما أدى إلى فزعة في العالم الإسلامي بأسره للاعتراض والاحتجاج على هذه الإساءات التي تشعل الكراهية بين الشعوب والثقافات.
ولم تنتهِ المشكلة عند هذا الحد، حيث افتتن بتلك الحريات قلة من أبناء المسلمين، فطفقوا ينالون من الثوابت والمقدسات الإسلامية في بلادنا نفسها؛ مما دفعني لتقديم قانون في مجلس 1985 يجرم التعرض للذات الإلهية والأنبياء والصحابة، وتم التصويت عليه بالإجماع، وعندما أعد قانون المطبوعات الجديد عام 2006 تم نقل هذا النص نفسه مع إضافة أمهات المؤمنين وآل البيت إليه. ولا شك أن هذا التشريع نبع من ضمائر وعقيدة النواب والحكومة الذين صوتوا عليه بالإجماع مثل ما نبعت التشريعات الفرنسية إياها من ضمائر النواب الفرنسيين وثقافتهم العلمانية وتاريخهم؛ لأن لكل بلد خصوصيته الحضارية والدينية، ومن الجرم بمكان فرض قيم حضارية غربية على المسلمين في بلادهم.واليوم أكرر هذا الكلام بعد أن تم التطاول مرة أخرى في بلادنا على مناسبة من أقدس المناسبات، وهي مناسبة عيد الأضحى وعلى نبي هو أبو الأنبياء، وكالعادة هبت بعض الدوائر المهتمة بنشر القيم الغربية في بلادنا باسم حقوق الإنسان تدافع عن هذه الجريمة، ولم ينتبه إلى هذا الخلل حتى بعض الصالحين من المهتمين بحقوق الإنسان وبعض النواب الحاليين والسابقين الذين رفعوا شعارات عامة تطالب بمزيد من الحريات، وعدم ملاحقة المدونين والمغردين دون أن يبينوا ويفصلوا أن هناك من الحريات ما هو مخالف للثوابت الشرعية، ومن المدونات ما يؤدي إلى الكراهية والشحناء وحتى الحروب الطائفية والعرقية، ومنها ما ينال من كرامات الناس وعقائدهم وسمعتهم. وقد عززت المحكمة الدستورية هذا المفهوم، فالحرية تكون في حدود القانون الذي يخضع لإرادة وضمائر وعقائد الأمة ممثلة بالسلطة التشريعية، أما السخرية من الثابت من الدين بالضرورة فهي جريمة، ويجب أن ينتبه جميع المنادين بالمزيد من الحريات لضررها.