تترأس ميركل الاتحاد الديمقراطي المسيحي منذ 17 سنة، إلا أنها لا تزال قادرة على مفاجأة حزبها. مرت قبل أيام بلقاء سنوي ينظّمه الجناح الشبابي في هذا الحزب، "الاتحاد الشبابي"، فلطالما اعتبر الجيل الأصغر نفسه في طليعة الفئة المحافظة في الاتحاد الديمقراطي المسيحي، داعماً غالباً سياسيين لا يتوافقون مع المسشارة ميركل.لكن ميركل تعي أيضاً أن عليها تقديم بعض التنازلات، فقد ولّدت انتخابات شهر سبتمبر، التي حصل فيها الاتحاد الديمقراطي المسيحي على 32.9% فقط من الأصوات، وهي أسوأ نتيجة له على مدى 60 عاماً، حالة من عدم اليقين. لذلك لم يتبقَّ أمام ميركل أي خيار سوى الاتجاه نحو اليسار، وفي خطوتها هذه حظيت بحليف غير متوقع: هورست سيهوفر، الذي عانى حزبه "الاتحاد الاجتماعي المسيحي"، وهو النظير البافاري للاتحاد الديمقراطي المسيحي، نكسة أكثر سوءاً من حزب ميركل.
استخلص سيهوفر من هذه النتائج المتدنية أن إعادة إحياء خلافه مع ميركل بشأن سياسة اللاجئين لن تحقق أي هدف غير دعم حزب "البديل لألمانيا"؛ لذلك قرر أخيراً وضع حد لجدالهما حول الحد الأقصى لعدد اللاجئين الذين قد تستقبلهم ألمانيا، بعدما نغّصت هذه المسألة علاقتهما طوال الأشهر الثمانية عشر الأخيرة.استراتيجية خطيرةيخشى الاتحاد الديمقراطي المسيحي أن تكون كلفة أي اتفاق بين ميركل وسيهوفر كبيرة، وما عزز هذه المخاوف أن وزير المالية الألماني فولفغانغ شويبله لن يشارك في المحادثات بشأن الائتلاف لأنه مع بدء المحادثات الجدية سيكون قد انتُخب رئيس البرلمان الألماني "البوندستاغ". يذكر أحد الأعضاء البارزين في الاتحاد الديمقراطي المسيحي: "سيصعّب هذا علينا تفادي صفقة مكلفة".على نائب وزير المالية، ينس شبان، أن يحل اليوم محل شويبله ويحرص على عدم خروج الإنفاق عن السيطرة، حتى في ائتلافها المنتهية ولايته مع الحزب الديمقراطي الاجتماعي اليساري الوسطي، لم تعرب ميركل عن تأييد كبير لمبادئ السوق الحرة. ورغم ذلك لم يتفق الحزب الديمقراطي الاجتماعي والاتحاد الديمقراطي المسيحي في مفاوضاتهما بشأن الائتلاف عام 2013 على "راتب الأمومة" فحسب، بل أيضاً على راتب تقاعد كامل لمن يتقاعدون في الثالثة والستين من العمر. وتُعتبر رزمة رواتب التقاعد هذه الإصلاح الاجتماعي الأكثر كلفة على الإطلاق في ألمانيا، فبحلول عام 2030، ستكون قد بلغت كلفته 160 مليار يورو.تعتقد المستشارية الألمانية أن "ائتلافاً جاماكياً" لن يترك أمام الاتحاد الديمقراطي المسيحي أي خيار غير الترويج لنفسه كداعم لحقوق المتقاعدين وذوي الدخل المحدود، وإذا ظل معدل البطالة متدنياً، فلن يشكك أحد بمقدرات ميركل الاقتصادية؛ لذلك لا داعي للتنافس مع الحزب الديمقراطي الحر، ولكن هل تساهم مقاربتها هذه في إعادة ملايين الناخبين الذين تخلوا عن حزبها وصوّتوا لحزب "البديل لألمانيا"؟يشك ينس شبان في ذلك، إذ تتناقل أوساط الاتحاد الديمقراطي المسيحي راهناً كتاباً من 120 صفحة وضعه فرنر باتزيلت، عالم سياسي من دريسدن، ونشره ماريو فويغت، نائب رئيس فرع الحزب في تورنغن. ويبدو هذا الكتاب أشبه برواية واضحة ودقيقة عن تطورات الانتخابات البرلمانية.يكتب باتزيلت ألا مشكلة، من وجهة النظر الديمقراطية، في فوز حزب "البديل لألمانيا" بمقاعد في البرلمان الألماني. فلطالما أيّد رئيس الاتحاد الاجتماعي المسيحي السابق فرانز جوزيف ستراوس فكرة أن يحتضن المحافظون الألمان سياسياً اليمين أيضاً، شرط أن يحصل على الأصوت بطريقة ديمقراطية، لكن "الجيل الجديد من سياسيي الاتحاد الديمقراطي المسيحي اعتقدوا أنهم أكثر ذكاء وخسروا في مناورتهم هذه احتكار الاتحاد الديمقراطي المسيحي/الاتحاد الاجتماعي المسيحي التمثيل اليميني الوسطي". باتزيلت نفسه عضو في الاتحاد الديمقراطي المسيحي، ولم يجد ضرورة إلى تسمية ميركل شخصياً، فالجميع في الحزب يعرفون هذه الانتقادات إلى من موجهة.* ميلاني أمان* «شبيغل»
مقالات
أنجيلا ميركل تتجه نحو اليسار لتحد من تأثير اليمين
23-10-2017